الملفُ السوريّ و هو يطوي صفحتَه التاسعة

د. محمد عادل شوك

كثيرةٌ هي المحطات، التي مرَّ فيها الملفُّ السوريّ، طيلة سنواته التسع المنصرمة، غير أنّ أبرزها ما كان في السنة الأخيرة:

1ـ انتقال الدول المتدخِّلة فيه، من مرحلة بسط النفوذ إلى التعزيز و التحصين له.

2ـ إعادة الاصطفاف فيه، بخروج دول إقليمية كانت تجلس في الكراسي الأولى، لصالح تعزيز نفوذ دول أخرى؛ لتصبح على النحو الآتي: أمريكا، روسيا، تركيا، إيران، فحسب.

3ـ تعزيز النفوذ التركي و تقويته عسكريًا، بعد إدخالها ما يقرب من ( 25 ألف جندي )، و ما يزيد على ( 1500 آلية عسكرية، و معدات تشويش إلكتروني، و أسراب من الطائرات المسيرة بيرقدار ) بقيادة سنان يايلا، قائد الجيش الثاني التركي؛ ما جعل من وجوده أمرًا يصعب تجاهله، ولاسيما بعدما أعلنت عن انطلاق عملية ( درع الربيع )، و التوقيع مع موسكو على البرتوكول المحلق بخصوص إدلب، في موسكو في: 5/ 3/ الجاري، و هو الأمر الذي شرعن وجودها كما شرعنته من قبل اتفاقية أضنة لسنة 1998.

4ـ إحراز تغيير لصالح تحالف النظام، على حساب المعارضة، بعد تقدمها فيما يقرب من 226 منطقة في ريفي حلب و إدلب؛ الأمر الذي نتج عنه أكبر موجة نزوح نحو الحدود التركية، شهدها القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية، بعد حرق و تدمير و تعفيش بيوتهم عن بكرة أبيها، ما عزّز القناعة باستحالة تعايش مكونات المجتمع السوريّ ثانية مع بعضها.

5ـ ظهور سلوكيات صاحبتْ تقدّم القوات الحليفة للنظام، كانت البشرية قد تعافت منها منذ زمن طويل، تركت انطباعات لدى المراقبين بأنّ المجتمع السوريّ سيحتاج إلى إعادة تأهيل طويلة، بعد أن تضع الحرب أوزارها في وقت بات غير بعيد.

6ـ تراجع زخم تأييد الحواضن الشعبية للجماعات الجهادية، بعد سلسلة الهزائم و الانكسارات التي منيت بها، ابتداءً بالموصل و ليس انتهاء بمقتل البغدادي في شمال غرب إدلب، و بعد مسلسل التراجعات من هيئة تحرير الشام، التي فاجأت تلك الحواضن، مثلما فاجأت المراقبين، الذين كانوا ينتظرون منها معركة فاصلة، و قد عزّز هذه الحيثية ظهور أبي محمد الجولاني، في اعتذار علني من الفصائل التي قاتلتها الهيئة في سبيل بسط سيطرتها على إدلب الكبرى، و اعترافه بصعوبة الإمساك بفاصل الحياة فيها و إدارتها منفردين، و هناك من يعزو هذا التراجع من الشيخ الجولاني إلى قراءته متغيرات الواقع الميداني، بما يشي إلى تغييرات جذرية ستشهدها إدلب عقب هدنة طويلة ستعيشها المنطقة، و ذلك سيفقده كثيرًا من الأوراق التي كان يمسك بها.

ـ عودة أمريكا إلى المنطقة بعد فترة غياب أعقبت تفاهمات ( كيري ـ لافروف )، وإمساكها بالملف السوريّ ثانية من خلال إفهام الأطراف الأخرى، و تحديدًا موسكو بفشل أيّ مسار غير مسار جنيف، ولاسيّما بعد الفيتو الثلاثي في وجه مساعي موسكو، لإعادة الحياة إلى مسار أستانا في مجلس الأمن، و إجازة قانون قيصر من غرفتي النواب و الشيوخ، و مهره بتوقيع الرئيس ترامب، بانتظار صدور لائحته التنفيذية في مطلع شهر حزيران، و ما سيعقب ذلك من سلسلة عقوبات ستطال داعمي النظام، ستعقّد المشهد كثيرًا كثيرًا.

وسوم: العدد 868