في تفسير آية الكرسي وقوله تعالى : الله لا إله إلا هو الحي القيوم

زهير سالم*

وجيز التفسير :

                                    1

" اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم  " الآية 255 من سورة البقرة .

والأحاديث والآثار في فضل هذه الآية كثيرة . كلها يؤكد على مكانة هذه الآية. وخصوصيتها بين آيات القرآن  الكريم . وتصفها بعض الأحاديث الصحيحة على أنها أفضل آية في كتاب الله . وتذكرها روايات أخرى على أنها الآية التي تنشر الحفظ من شرور شياطين الجن والإنس . وكل هذا مذكور بتفصيل في كتب المحدثين والمفسرين ويمكن التماسه هناك .

في وجيزنا هذا سنحاول أن نستجلي بعض مجالي الخصوصية والفضل في هذه الآية الكريمة . وكل آيات القرآن الكريم معجز وجميل وفيها الحفظ والفضل . والنص على فضل بعض السور والآيات في القرآن الكريم لا يعني نفيه عن أخرى . وقوله تعالى " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها " له سياق آخر من التوجيه ليس مكانه هنا " وربما نعود إليه قريبا إن أعان الله .

وقد ذكر العلماء من جميل النظم في هذه الآية أنها اشتملت على عشر جمل متناسقة متتابعة مترابطة بدون حرف عطف . وهذا من بديع نظم القرآن . والواوان في آخر الآية للاستئناف وليست للعطف.

وفي استجلاء ملامح العظمة في هذه الآية الكريمة سنقف عند خمس محطات ..

الأولى عند قوله تعالى : الله لا إله هو  الحي القيوم ..

بكلمتين مختصرتين نفى ربنا سبحانه وتعالى الألوهية بكل خصائصها عن غيره وأثبتها لنفسه . الله لا إله إلا هو . واستحقاق العبادة ، والعبادة تمام الخضوع مع تمام الحب ، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية هي حق حصري لله ، لا يتعداه إلى سواه . فهو وحده المعبود بحق . وكل ما عداه باطل .

واعتبر بعض أهل الطريق " الهو " من قوله إلا هو . اسما من أسماء الله الحسنى . ودعوا به ، وأشهروه ، ويظلون ينادون " يا هو " ولا يصح شيء من ذلك عند من يعتبرون الأسماء الحسنى توقيفية .

ثم وصف مولانا نفسه بوصفين بديعين دالين مترابطين : الحياة والقيومية. الحياة المتعالية عن البداية والنهاية ، والقيومية المطلقة على كل موجود ، قيومية مرتبطة بإيقاع توجه الإرادة للإيجاد ..

وورد الوصف بالحي القيوم في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع ..

هنا في البقرة 252

وفي مطلع سورة آل عمران " الله لا إله إلا هو الحي القيوم "

وفي سورة طه الآية 111 / وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما /

ويذكر المفسرون " الحي القيوم " على أنه اسم الله الأعظم ، الذي إذا دعي به أجاب .ثم يختلفون على ذلك فكثير من المفسرين لا يجدون سندا قويا لتخصيص اسما من أسماء الله الحسنى بالأعظم . ويقولون كل أسماء الله ، حسنى وعظمى . وفريق آخر يرى في الوصف حالة تدور ما يناسب حال التجلي الذي يحتاجه العبد من مولاه ، فمرة يكون الرحيم ومرة يكون اللطيف ومرة يكون القوي . وفريق ثالث من المفسرين يختلفون على بضعة عشر قولا لصيغ يرون فيها اسم الله الأعظم ..وتفصيل ذلك في موضعه من كتب التفسير .

والوصف بالحي يستدعي تنقية التصور البشري المحاصر دائما في دائرة بشريته . فالله هو الحي ، وهو مانح الحياة ، وديمومة الحياة مرتبطة بحضور يحميها ويرعاها وينميها ، وهنا تأتي القيومية الحاضرة دائما ، التي لا تغيب أبدا ، ولا تغفل أبدا ، والتي لا يعتريها فتور ولا لغوب ، بل تقوم على الكبير والصغير ، والعظيم والحقير ، " وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات البر والبحر ولا رطب ولا يابس .." وكل هذا يستدعي أن ينفي عن الأذهان المحدودة صفات مثل الغفلة أو التعب أو الفتور أو النعاس أو النوم فكل ذلك مما لا يجوز على الله الرب الإله ردا على من قال " واستراح السبت "

  و "القيوم " اسم من أسماء الحسنى تحار في الإحاطة بتجلياته العقول والقلوب ، وتزل عنده  بعض الأفهام وتضطرب . قيوميته على كل شيء ، وفي كل شيء قيومية استعلاء ، وليس دقيقا ما يقول بعضهم " بلا وصل ولا فصل " ونقول بل " بفصل وبلا وصل"  . ففي الكون خالق يقوم على المخلوق . والعلاقة قائمة على تمايز بيّن بين الوجود الحق الواجب ، والوجود الممكن العارض . حيث يقوم الأول في الثاني وعليه ، بلا حلول ولا وحدة ولا اتحاد . فالله الخالق وهو القيوم على الخلق . فانتبه لهذا فإنه مزلة زلت عندها العقول والقلوب ..

القيوم على كل نفس بما كسبت بقيومة ملازمة ردا على الذين قالوا بنظرية العقل الأول ، والسببية المبرمجة ...

القيوم على كل نفس بما كسبت قيومية حاضرة مستعلية ردا على الذين قالوا بالحلول والاتحاد ..

وكان بعض الملاحدة في مطلع القرن العشرين – جوليان هكسلي - قد ألف كتابا تحت عنوان " الإنسان يقوم وحده " زعم فيه أن الوجود الإنساني مكتف بذاته ، قائم بنفسه . وهو هراء ما يزال كثير من الغوغاء يرددونه ويتسترون به . ورد عليه  في حينه عالم آخر " كريس دريسون" بكتاب " الإنسان لا يقوم وحده . وأثبت به بلغة العلم التي يفهمها العلماء ، بطلان نظرية السبب الفاعل بدون مسببه .

" الله لا إله إلا هو الحي القيوم " وحدها عقيدة واضحة جلية تضبط تصورات المحدود وتساعده على الا رتقاء إلى أفق غير محدود .

يتبع

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 870