الزواج من نسائهم

دندل جبر

أولاً – الزواج من نساء أهل الكتاب :

1- ذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف إلى : جوازنكاح المعاهدة اذا كانت من حرائر نساء أهل الكتاب

يقول ابن المنذر: (لا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك، وبه قال سائر أهل العلم.

2- ذهب عبدالله بن عمر والإمام مالك إلى كراهية الزواج من نساء أهل الكتاب.

وقد استدل جماهير أهل العلم من السلف والخلف بما يلي :

أ – قوله تعالى : (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ...)(1) وفي هذه الآية دلالة واضحة على حل نكاح النساء العفائف الطيبات من أهل الكتاب والمحصنات في الآية هن العفائف دون الزانيات والبغايا.

ب – زواج عثمان بن عفان رضي الله عنه بنائلة الكلبية – وهي نصرانية – على نسائه وزواج طلحة بن عبيدالله يهودية من أهل الشام، وتزوج حذيفة بن اليمان، وكعب بن مالك والمغيرة بن شعبة وطلحة بن الجارود بن المعلى وأذينة العبدي نساء من أهل الكتاب.(2)

جـ - روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : "يتزوج المسلم اليهودية والنصرانية، ولا يتجوز المجوسية ولا المشركة" (3)

_____________________________________________________________________

(1) - (المائدة – 5 )

(2) - (انظر الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر – ص56 وما بعدها. الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة لأبي الأعلى المودودي – ص111)

(3) – الروض النضير في فقه الزيدية – جـ4 - ص62 – 63)

ثانيا : الزواج من نساء المجوس :

أ – جمهور الفقهاء قالوا : بعدم حل زواج المسلم من نساء المجوس لأنهم ليسوا من أهل الكتاب، وحل الزواج من غير المسلمات خاص بنساء أهل الكتاب واستدلوا على ما ذهبوا إليه بقوله تعالى : (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم.(1) واستدلوا على التحريم بقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن).(2) وقوله تعالى: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر).(3)

ب – ذهب الظاهرية إلى جواز زواج المسلم بالمجوسية بحجة أنها من أهل الكتاب عندهم.(4)

- وقال أبو ثور: يباح الزواج بالمجوسية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " ولأنه روي أن حذيفة تزوج مجوسية ولأن المجوس يقرون بالجزية فأشبهوا اليهود والنصارى.(5)

ثالثاً – الزواج من نساء الصابئة :

اختلف الفقهاء في حل نساء الصابئة: فمن اعتبرهم من أهل الكتاب قال بحل زواج نساء الصابئة ومنهم أبو حنيفة ومن اعتبرهم من غير أهل الكتاب قال بعدم جواز زواج نساء الصابئة لأنهم يعبدون الكواكب وممن قال بهذا صاحباً أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد. أما الحنابلة والشافعية فلم يجزموا بالحل والحرمة وإنما قالوا فيهم : إن كانوا يوافقون النصارى أو اليهود في أصل دينهم ويخالفونهم في فروعه كانوا منهم فتحل نساؤهم للمسلم، وإن كانوا يخالفونهم في أصول دينهم لم يكونوا منهم فلا تحل نساؤهم للزواج من مسلم.(6)

_________________________________________________________________________________________________

(1) – (المائدة – 5)

(2) – (البقرة – 221 )

(3) – (الممتحنة – 10)

(4) – (المحلى لابن حزم الظاهري – جـ9 – ص445)

(5) – (الدكتور عبد الكريم زيدان – أحكام أهل الذمة والمستأمنين – ص345)

(6) – (المغني لابن قدامة – جـ6 ص591 . المهذب جـ2 ص47 . الكاساني – بدائع الصنائع – جـ2 ص271 ، وانظر الدكتور عبد الكريم زيدان – أحكام الذميين والمستأمنين – ص 346)

رابعاً : الزواج من نساء عُبّاد الأوثان ونحوهم :(1)

لا خلاف بين أهل العلم في تحريم زواج المسلم من نساء سائر الكفار من عُبّاد الأوثان والأصنام والأحجار والأشجار والحيوان ونحوهم لقوله تعالى : (ولا تمسكوا بعصم الكوافر).(2) وقوله تعالى : (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن).(3)

لقد أباح الإسلام حل نكاح نساء أهل الكتاب لما يبنى على ذلك وينتج عنه من توطيد القرابة وتمتينها وتوثيق عُرى المودة وحسن العشرة. وتآلف أبناء المجتمع الواحد وتعاونهم على مافيه خير.

ففي مصاهرة أهل الكتاب والتزوج من نسائهم المحصنات العفيفات ما يترتب عليه أن "تصبح الكتابية ربة بيت المسلم وشريكة حياته أم أولاده، وأن يكون أخوال أولاده وخالاتهم من غير المسلمين"(4)

_____________________________________________________________________

(1) -  (أنظر : الدكتور عبد الكريم زيدان – أحكام الذميين والمستأمنين – ص346)

(2) -  (الممتحنة – 10)

(3) -  (البقرة – 221)

(4) -  (إدوارد غالي الذهبي – معاملة غير المسلمين في المجتمع الإسلامي – ط1 – 1993م – ص99)

ثالثاً – إقامة المؤسسات الإجتماعية

إن الإسلام يسمح لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي بمزاولة التعليم والتربية الدينية للأبناء وذلك من خلال مؤسسات خاصة بهذا الشأن وتيسيرها لمن أرادها منهم على أن لا يتعارض ذلك مع سياسة التعليم الإسلامية وفلسفته، وكذلك يسمح لهم بإقامة المؤسسات الاجتماعية الخاصة بهم، كملاجئ العجزة ودور الأيتام ونحوها، ويسمح بكل ما تتطلبه هذه المؤسسات من أوقاف أو تبرعات تساعد على إنشائها وتسييرها واستمراريتها، وفق ضوابط تحول دون تعارض أعمال هذه المؤسسات وأنشطتها مع دستور الدولة ونظامها العام.

  رابعاً – الوفاء بالعهد

الإسلام كان من الوضوح الساطع في حرصه على أن يكون عدلاً في تصرفه مع الآخرين محترماً للكلمة والعهود والمواثيق التي يرتبط بها معهم.

وقد شدد الإسلام وأكد على الالتزام بالوفاء بالعهد الذي يقطعه المسلمون على أنفسهم حيث يقول سبحانه وتعالى : (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود).(1) ويقول جل شأنه : (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها)(2)

ويقول أيضاً : (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلاً).(3)

- ويقول صلى الله عليه وسلم : "من كان بينه وبين قوم أجل فلا يحلن عقده حتى ينقضي أمدها"(4)

والوفاء بالعهود من صفات المؤمنين التي ذكرها الله تعالى في كتابه العزيز حيث يقول : (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون).(5)

_____________________________________________________________________

(1) – (المائدة – 1)

(2) – (النحل – 91)

(3) – (الإسراء – 34)

(4) – (تفسير ابن كثير – جـ2  ص606)

(5) – (المؤمنون – 8 )

ويقول أيضاً : (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق).(1)

وقد جعل عليه الصلاة والسلام الغدربالعهود والمواثيق من صفات المنافقين .

حيث يقول : "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خَلّةً (وفي رواية خصلة) منهن كانت فيه خلة (وفي رواية خصلة) من نفاق حتى يدعها : "إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر".(2)

وقد تحقق الوفاء بالعهد لغير المسلمين – وخاصة أهل الذمة (العهد) في المجتمع الإسلامي – في سلوكيات الخلفاء والفقهاء المسلمين – وقد مر معنا كثير من ذلك.

_____________________________________________________________________

(1) – (الرعد – 20 )

(2) – ( صحيح مسلم – كتاب الإيمان – باب بيان خصال المنافقين – رقم 122 . صحيح البخاري – كتاب الإيمان – باب علامة المنافق – رقم 34)

خامساً – العدل والمساواة

الإسلام دين الرحمة الإنسانية، حيث جاءت كثير من نصوصه وأحكامه لتكون دعامة أساسية لإقامة العدل والمساواة بين الناس أفراداً وجماعات وطوائف، وليعطي الإنسان حقه في هاتين الخصلتين اللتين كثيراً ما تدلان على مدلول واحد، لأن كلاً منهما في الغالب تعبرعن الأخرى فيما تهدف إليه. ففي إقامتهما بين الناس ما يحقق هدفاً مشتركاً هو إنصاف الإنسان من أخيه الإنسان، ليكون في منأى من الظلم والامتهان، ويعيش الناس في بحبوحة من الشعور بالكرامة الإنسانية في مجتمع يسوده العدل والمساواة.

والعدل سور يحمي المجتمع من التفتت والتشرذم والحزازات والفوضى وينأى به عن العداوة والبغضاء، ويؤدي إلى تعاضد الناس وتعاونهم بعضهم مع بعض، ويستوي فيه القوي والضعيف والغني والفقير والقريب والبعيد والمسلم وغير المسلم، يقول تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين).(1) ويقول تعالى : (ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى).(2) وفي هذا أمر إلهي بإقامة العدل. يؤكده قوله تعالى : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان).(3) وفي التزام هذا الأمر والعمل به وتحقيقه على بساط الواقع البشري عبادة لله تعالى وطاعة لأوامره جل شأنه يثاب عليها، وفي مخالفته معصية كبيرة يعاقب عليها في الدنيا والآخرة.

وإقامة العدل بين الناس حق انساني يشترك فيه الناس جميعاً لأن أصل البشر واحد. يقول جل شأنه: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم).(4) وجاء في خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قوله : " أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد،كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير،وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى..."(5)

_____________________________________________________________________

(1) – (النساء – 135)

(2) – (المائدة – 8)

(3) – (النحل – 90)

(4) – (الحجرات – 13)

(5) – (عن الموجز في معاملة غير المسلمين في الإسلام – المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية – مؤسسة آل البيت – عمان – 1994م – ص215)

                    

وبالإضافة للتوجيهات العامة التي وردت في نصوص الكتاب والسنة بإنصاف الإنسان وعدم ظلمه وإيذائه، فقد أوجب الإسلام لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي في عقد الذمة (العهد)على المسلمين هذا الحق في كل جوانب التعامل الحياتي معهم، وصار لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، يقول الله تعالى : (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)(1).ويقول صلى الله عليه وسلم : "ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة.(2)

ومن أهم ميادين المساواة في حياة الناس :

1 – المساواة أمام القانون :

في النظام الإسلامي لا تمييز في تطبيق القانون الذي مصدره الكتاب والسنة على جميع مواطني الدولة الإسلامية مسلمين وغير مسلمين، وليس فيه محاباة أو مراعاة طبقة على طبقة ولا جنس على جنس ولا لون على لون، فالرئيس والمرؤوس، والغني والفقير، والقوي والضعيف، كلهم أمام القانون الإسلامي سواء، وقد هدم الإسلام في أحكامه القانونية كل الصفات التي تكون سبباً لامتياز ما أمام القانون، وقد أقام التفاضل بين الناس على التقوى ونافع الأعمال لأبناء المجتمع جميعاً. يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الشريف : "من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه".(3)

ويؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على مبدأ المساواة أمام القانون حينما رفض بشدة شفاعة بعض الصحابة في المرأة المخزومية التي سرقت لاعفائها من إقامة حد السرقة عليها بسبب علو منزلتها في القوم. واعتبر التمييز أمام القانون مهلكة للأمم، فقال : "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".(4)

_____________________________________________________________________

(1) – (الممتحنة – 8)

(2) – (رواه أبو داود عن عدة من أبناء الصحابة)

(3) – (سنن الدارمي – جـ1  ص83)

(4) – (متفق عليه في الصحيحين)

وهذا المبدأ كما يحكم المسلمين يحكم غير المسلمين في المجتمع الإسلامي، ومن تطبيقات ذلك أنه حين كان عمرو بن العاص والياً على مصر زمن عمر بن الخطاب لطم ابنه قبطياً لأنه سابقه فسبقه، فشكاه القبطي إلى الخليفة عمر رضي الله عنه فأرسل الخليفة إلى عمرو بن العاص وابنه، وإلى القبطي الذي رفع الشكوى وقال له : أهذا الذي ضربك؟ قال : نعم، قال : اضربه، فأخذ يضربه حتى اشتفى فقال له عمر: زد ابن الأكرمين، ثم قال لعمرو بن العاص قولته المشهورة : "منذ كم يا عمرو تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهم أحراراً".(1)

                                                                                                                                                      

2 – المساواة أمام القضاء :

العدل والمساواة حقوق مشتركة واجبة التطبيق بين الناس جميعاً سواء في الحكم بينهم أو الشهادة لهم أو عليهم لا فرق بين من كان مسلماً أو غير مسلم، براً أو فاجراً، صديقاً أو عدواً، قريباً أو بعيداً، غنياً أو فقيراً، قال تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).(2) وقال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً).(3)

وقال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون.(4)

في النظام الإسلامي المواطنون جميعاً مسلمين وغير مسلمين أمام قضائه سواء. في خضوعهم للقضاء والتقاضي وأصول المرافقة، وتنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم لا ميزة بذلك لشريف أو طبقة أو حتى رئيس الدولة نفسه عليه أن يحضر أمام القضاء سواء كان مدعياً أو مدعى عليه.

_____________________________________________________________________

(1) – (عن الدكتور منير حميد البياتي – الدولة القانونية والنظام السياسي في الإسلام – ط1 – 1399هـ - 1979م – ص216)

(2) – (النساء – 58)

(3) – (النساء – 135)

(4) – (المائدة – 8)

" وقد أكد الفقهاء المسلمون هذا المعنى فقالوا إن على القاضي : "التسوية بين الخصوم في المدخل واللحظ واللفظ والمجلس من دون تمييز بين الشريف والمشروف والحر والعبد والمسلم وغير المسلم".(1) وجاء في كتاب عمر ابن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري : "وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك".(2)

ومن الشواهد التاريخية على تحقيق مبدأ المساواة أمام القضاء في المجتمع الإسلامي :

أ – حادثة طعمة بن أبيرق : (3)

ذلك أن طعمة بن أبيرق سرق درعاً لأحد المسلمين، فلما خشي أن ينكشف أمره، رمى بها في بيت يهودي، وحاول إلصاق فعلته باليهودي البريء، وشايعه على ذلك بعض قومه ممن آمنوا بألسنتهم ولم يلامس الإيمان شغاف قلوبهم، وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يجادلون بغير حق محاولين تبرئة ساحة صاحبهم وتغليظ قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهودي، فإذا الوحي الإلهي يفضح مؤامرتهم ويكشف دسيستهم إذ أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قوله : (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً*واستغفر الله إن الله كان غفوراً رحيماً*ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً).(4).... إلى أن يقول جل شأنه : (ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً*ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً).(5)

ب – روى شريح القاضي فقال : لما توجه علي إلى قتال معاوية افتقد درعاً له، فلما رجع وجدها في يد يهودي يبيعها في سوق الكوفة، فقال : يا يهودي الدرع درعي لم أهب ولم أبع، فقال اليهودي : درعي وفي يدي، فقال : بيني وبينك القاضي، قال شريح : فأتياني، وقال علي : هذه الدرع درعي لم أبع ولم أهب، فقال اليهودي : درعي وفي يدي. قال شريح : يا أمير المؤمنين هل بينة؟ قال نعم الحسن ابني، قال شريح : يا أمير المؤمنين شهادة الابن للأب لا تجوز، فقال علي سبحان الله رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، فقال اليهودي : أمير المؤمنين قدمني إلى قاضيه وقاضيه يقضي عليه، أشهد أن هذا الدين على الحق وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن الدرع درعك يا أمير المؤمنين سقطت منك ليلاً".(6)

_____________________________________________________________________

(1) – (انظر الأحكام العلمانية للإمام الماوردي – ص90 – ط1 – 1405هـ - 1985م – بيروت دار الكتب العلمية، وانظر الأحكام السلطانية لأبي يعلى – ص66 – 1403هـ - 1983م – دار الكتب العلمية)

(2) _ (المصدر السابق – ص91 و ص67)

(3) – (انظر تفسير ابن كثير – جـ1 ص563 – 564)

(4) – (سورة النساء – 105 – 107)

(5) – (النساء 112 – 113)

(6) – (أنظر : كتاب أخبار القضاة – جـ2 ص200 – محمد بن خلف بن حيان)

جـ - روي أن المأمون شكاه رجل إلى القاضي يحيى بن أكثم، فنودي الخليفة ليجلس مع خصمه فأقبل ومعه غلام يحمل مصلى فأمره القاضي بالجلوس فطرح المصلى ليقعد عليه، فقال له يحيى : يا أمير المؤمنين لا تأخذ خصمك شرف المجلس فطرح للخصم مصلى آخر ليجلس عليه.(1)

3 – المساواة أمام تولي وظائف الدولة :

سبق أن كتب مقالاً في موقع أدباء الشام بتاريخ 10/ 5 / 2014م بعنوان :

" إسناد الوظائف العامة لغير المسلمين في الدولة الإسلامية" بينت فيه جواز إسناد وظائف الدولة العامة لغير المسلمين وأن حالهم في هذا الأمر كحال بقية المواطنين من المسلمين عدا الوظائف ذات الصبغة الدينية فإنها خاصة بالمسلمين فقط.

_____________________________________________________________________

(1) – (انظر : كتاب المحاسن والمساوئ للبيهقي ص533) نقلاً عن الدكتور منير البياتي – الدولة القانونية والنظام السياسي في الإسلام – هامش ص218 – 219)

وسوم: العدد 874