حقّ للإنسان في كل أرجاء المعمور أن يحتار متوجسا بسبب ما يروج من توقع تداعيات مصاحبة وتالية لجائحة كورونا

جرت العادة أنه حينما تبدأ الأعاصير في التكون والتحرك في اتجاه الأقطار الموجودة في مناطق معلومة من المعمور أن تشعر بها الأرصاد الجوية، وتتتبعها وتقدّر قوتها الضاربة منذرة ومحذرة منها كي يستعد لها الاستعدادات اللازمة إلا أن ما حصل مع جائحة كورونا وهي عبارة عن إعصار وبائي والذي لم يقتصر كما تقتصر الأعاصير الماطرة على ضرب جهات معينة بل ضرب المعمور كله باستثناء بعض بقاعه  لحد الساعة  وقع فجأة حيث بدأ من مدينة واحدة في بلاد الصين المترامية الأطراف أول الأمر كنزلة بردة لكنه  فيما بعد  فاقت قوته كل التقديرات  والتوقعات ، ولم تستطع الأرصاد الوبائية أن تقدر خطورته البرتقالية ، الشيء الذي جعل سكان المعمور يتساءلون لماذا مدينة وحداة في شبه قارة ؟ وما لبثوا أن علموا أن هذه المدينة يوجد بها مختبر جرثومي ، فكان هذا المعطى سبب بداية احتمال طرح فرضية المؤامرة التي أكدها تراشق التهم بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حيث أشار كل طرف إلى الآخر بأصابع الاتهام، وكان ذلك على ألسنة مسؤولين كبار من الطرفين مما حيّر سكان المعمورأكثر .

ودخل  بعد ذلك على الخط علماء متخصصون في المجال الجرثومي من الحائزين على جائزة نوبل ، فذهب بعضهم إلى أن جائزته حرام عليه إن لم يكن الأمر متعلق بتصنيع فيروس الجائحة في المختبر الصيني ، مما زاد في حيرة سكان المعمور  فصاروا لا يدرون أيصدقون ذلك أم يكذبونه ؟

وبدأت بعد ذلك الأخبار عن تداعيات الإعصار الوبائي تتناسل ، فقيل أول الأمر أن فيروسه من الزواحف ثم ما لبث أن صار طائرا يطير في الجو، فكمم بسبب ذلك سكان المعمور، ولم تذب الفوارق الطبقية بينهم حتى في التكميم حيث تفاوتت الكمامات من حيث الجودة والقيمة ، فرضي ضعاف الناس بأقلها جودة بينما  استأثر بذات القيمة الوقائية  ذوو الحظوظ . ودخل سكان المعمور مساكنهم كنمل نبي الله سليمان عليه السلام وقد أنذروا من شر الوباء المستطير الذي أخذ في حصد مئات الأرواح البشرية يوميا ،لا يميز بين سكان عالم أول أو سكان عالم ثالث ، وإن عمت فإنها لم تهن خلافا لما كان يقال  .

وبدأ الحديث بعد ذلك عن أسلحة مقاومة  الجائحة ، فانقسم أهل الاختصاص في جبهات القتال معها حول الدواء المخصص لعلاج الملاريا ، فأثنى عليه بعضهم ، وشكك البعض الآخر في فعاليته ، الشيء الذي زاد من حيرة سكان المعمور وهم يتساءلون لماذا  اختلفت فتاوى فقهاء الطب  في هذا العلاج ؟

وبدأ الحديث بعد ذلك على ألسنة زعماء العالم الأول أن التلقيح ضد هذا الإعصار الوبائي سيكون متوفرا خلال أسابيع ، ولكن ما لبث أن صار الحديث عن مدة أطول تزيد عن العام أو يزيد ، الشيء الذي زاد من  شدة حيرة سكان المعمور.

وبدأ الحديث بعد ذلك أن فترة انحسار هذا الإعصار الجائح ، فقيل يكون ذلك مع انتهاء فصل الشتاء إلا أن ظهور بؤر له في بلدان صائفة  زاد من حيرة سكان المعمور، وتوجسوا من طول مكثه بين ظهرانيهم ، وقد عطّل عجلة كسبهم ، وأشاع في أقطار شتى  بما فيها أقطار العالم الأول البطالة حتى صار الناس  فيه يصطفون في طوابير للحصول على ما يسد الرمق، الشيء الذي قوّى حيرة سكان المعمور، وأطلق العنان لفرضية مؤامرة اقتصادية هي المحرك لفرضية المؤامرة الوبائية ، و بهذا دخل سكان المعمور في دوامة حيرة غير مسبوقة في تاريخ البشرية.

وراج الحديث  عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي ازدادت ثقة سكان المعمور فيها مقابل الشك فيما تقدمه لهم كبريات وسائل الإعلام العالمية عن  فرضية مفادها أن وراء الإعصار الوبائي انهيار الاقتصاد الافتراضي الذي لم يجد أربابه بدا من إيقاف الاقتصاد الطبيعي أو الواقعي كي يسترجع اقتصادهم عافيته .

وبدأ الحديث عن مشاريع صفقات لتسويق تلقيح ضد الإعصار الوبائي  عبر العالم يصاحبه حقن رقائق تحت الجلود  البشرية لحاجة في نفوس يعاقيب، الشيء الذي أغرق سكان المعمور في بحر متلاطم الموج من الحيرة المصحوبة بالتوجس والخوف مما سيعقب الجائحة ، وما سيكون عليه وضعهم إن صاروا رهن الرقائق المزروعة تحت جلودهم . وراجت أخبار كثيرة متضاربة لا تزيد سكان العالم إلا حيرة وتوجسا وخوفا خصوص عندما تصدر عن مفكرين وفلاسفة وعلماء  متخصصين وخبراء المستقبليات . ولا ندري متى ستتوقف تلك الأخبار ؟ ومتى سيعرف جيدها من رديئها، وصحيحها من زائفها ؟ ولا من هم النقاد الموثوق في نقدهم الذي سيفتنها بنار الحقيقة للكشف عنها كشفا يزيل الحيرة ، ويدفع الشكوك ؟

المهم أن سكان المعمور في عالمه الأول والثالث على حد سواء يعيشون في حيرة كبرى من أمر إعصار كورونا ،وما صاحبه من تداعيات، وما سيعقبه خصوصا وأنه قد بدأت تلوح في الأفق مؤشرات على أن الديمقراطيات والحريات ربما ستغرب شمسها لتطلع بعدها شمس الديكتاتوريات لا قدر ولا سمح الله .

وإلى أن يتبيّن خيط الإعصار الوبائي الأبيض من خيطه الأسود، ستظل الحيرة جاثمة فوق صدور العالمين الذين نسأل ربهم العلي الكبير أن يجنبهم ما يخافون وما يحذرون ، فهو نعم المولى ونعلم الوكيل . 

وسوم: العدد 875