ماكلّ كافر فاجر، ولا كلّ فاجر كافر.. وويلٌ لمَن جَمعَ الصفتين ؛ فلا دنيا ولا آخرة !

عبد الله عيسى السلامة

الكفر أنواع ودرجات ، والفجور أنواع ودرجات ، على أنهما ليسا مترابطَين ، بالضرورة ، في أيّ من أنواعهما ودرجاتهما ؛ بحيث يستدعي وجود أحدهما ، وجودَ الآخر، حتماً !

قال تعالى : (أولئك هم الكفَرة الفجَرة) ،  أيْ : الكفرة قلوبهم ، الفجَرة في أعمالهم !

وقال تعالى ، على لسان نوح ، يصف قومه :

(وقال نوحٌ ربّ لاتَذر على الأرض مِن الكافرين ديّاراً * إنّك إنْ تَذرهم يُضِلّوا عبادَك ولا يَلدوا إلاّ فاجراً كَفّاراً ).

وقال رسول الله : أربعٌ مَن كنّ فيه ، كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خلّة منهنّ، كان فيه خلّة من نفاق ، حتّى يَدعها : إذا حدّث كذَب ، وإذا عاهد غَدر، وإذا وَعد أخلَف ، وإذا خاصمَ فجَر!

وفي رواية ، آية المنافق ثلاث : إذا حدّث كذَب ، وإذا وَعد أخلفَ ، وإذا اؤتُمن خان!

هذه النصوص ، كلها، ووقائع كثيرة غيرها، في واقع البشر وتاريخ أسلافهم ، تدلّ ، على أنه ، لا ارتباط ، بالضرورة ، بين الكفر والفجور!

فالكفر أنواع ، منها : كُفر العقيدة ، وكُفر النعمة .. والفجور أنواع ، كذلك !

ولو كان الارتباط قائماً ، حُكماً ، بين الكفر والفجور، لكان كفّار الجاهلية ، كلّهم ، فجرة ! والواقع أنّ الأمر ليس كذلك ؛ فقد كان في الجاهلية ، أناس يحبّون مكارم الأخلاق ، ومنهم حاتم الطائي ، الذي وصفه النبيّ ، بهذا الوصف ! وقد قال النبيّ: إنّما بُعثتُ لأتمّم مكارمَ الأخلاق! فلولم تكن موجودة ، وناقصة ، فكيف كان سيتمّمها؟

لكنّ المشكلة القائمة ، في العصر الحديث ، هي اختلاط المفاهيم ، عند الكثيرين ، الذين يصعب عليهم فهم الواقع ، بسائر تعقيداته !  فمنذ النصف الأوّل ، من القرن العشرين ، قال أحد العلماء ، ممّن زاروا بلاد الغرب : لقد رأيتُ في الغرب إسلاماً، ولم أرَ مسلمين ، ورأيتُ عندنا ، في الشرق ، مسلمين بلا إسلام !

إن التعامل بين الناس ، على أسس خُلقية سليمة ، هو الذي يعكس انطباعاً ، عن شخصيات الناس ، وأخلاقهم ومعادنهم ! أمّا صلوات الناس في معابدهم ، فلا تعكس، بالضرورة ، الانطباع عن الشخصيات ؛ فقد يكون المرء كثير العبادة ، قليل الفهم للنصوص التي يتعبّد بها ، وربّما كانت لديه حماقة ، تضع فاصلاً ، بين عباداته وأخلاقه ! ومعروفٌ الحديث النبويّ ، الذي يُخبر عن امرأة ، صوّامة قوّامة ، تدخل النار، لأنها تؤذي جيرانها بلسانها ! كما هو معروف ، الحديث النبويّ ، الذي يُخبر عن امرأة ، تؤدّي عباداتها المكتوبة ، وتتصدّق بأثوار من أقط .. يخبر عنها ، أنها في الجنّة ! وكذلك المرأة ، التي حبست هرّة ، فلم تطعمها ، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض ، فدخلت ، بسبببها ، النار! وكذلك الرجل ، الذي سقى كلباً ، يلهث من العطش ، فدخل ، بسببه ، الجنّة !  وفي حياتنا اليومية ، كم رأينا من رجال ، لهم زيّ العلماء ، ويُصدرون فتاوى للسلاطين ، تزيّن أفعالهم المنكَرة ، أو قراراتهم الإجرامية ، التي تُلحق الضرر، بشعوب كاملة ، أو تؤدّي ، إلى قتل ألوف البشر!  وكم رأينا رجالاً غير مسلمين ، لهم من الأخلاق النبيلة ، وحسن التعامل مع الناس ، ما يجعلهم أقرب إلى الإسلام ، من أولئك المُفتين ، الذين يُضِلّون الناس ، بفتاواهم ،  مقابل مال يتقاضونه ، أو منصب يعيّنون فيه !

وسوم: العدد 876