الإخوان المسلمون .. جماعة إسلامية تدعو إلى الخير ..

زهير سالم*

لسنا حزبا سياسيا ولا نرضى أن نكون ....

وهذا مبحث مهم ، ومرجع لكل من يريد أن يعلم ، وأسسته على ثلاث مقدمات ضرورية ، ثم أفضت فيه بالشرح والتوضيح .. وربما من المهم أن أبين أن الفئة المستهدفة بهذا المبحث ، بعضُ أبناء جماعة الإخوان المسلمين ، الذين بدا لهم تحت ضغط الواقع بداءٌ ، فأرادوا أن يتحولوا . وأكثر ما يريب في عالم الدعوات المتحولون " لا مشي الحمام ولا مشي الحجل ، وانظروا إذا شئتم إلى متحولي الماركسيين . وكذا المستهدف بالبحث بعضُ المحايدين الذين يحتاجون إلى سماع كلمة الحق ليتبينوا ، ثم إلى الذين لا ينفكون ينحتون في صخرة الإسلام العظيم . " ولستَ بضائرها ما أطت الإبل "

المقدمة الأولى : ليس صحيحا أن السياسة بلا أخلاق وبلا دين ..

وإن أرادها بعض الأقوام كذلك . فليس هذا ما قررته الأديان ولا الفلسفات . ومن باب أولى ليس هذا ما قرره الإسلام ، وليس هذا ما يريده المسلمون العالمون الصادقون . وعجبا أن تصبح هذه المقدمة مدخلا للذين يزعمون : أنه يجب أن يبقى ثوب الداعية أبيضَ . وأن لا يتلطخ بعُذرة السياسية ، ولا بنتنها . عجب أن مسلما يقرر مثل هذا ثم يظل يظن أنه مسلم . وكأنه يقول ولأن أقواما عبدوا الأوثان فلنسقط من حياتنا العبادة !!

ونحن – المسلمين - في أصل أمرنا حملة مشروع أخلاقي ، الأخلاق القويمة تسري في كل مفصل من مفاصله . وأصل دعوة نبينا كما قال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" وصنف سلفنا الصالح جل علم السياسة ، كفصل من فصول علم الأخلاق. وليس صحيحا أن السياسي لا يكون صادقا خلوقا مرموقا ، فقد كان أسوتنا رسول الله مبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله ، وسياسيا مرموقا ، وقائدا ومحاربا ورؤوفا رحيما ، وكان من بعده الأربعة الكرام ، وكان من بعدهم من عرفنا ممن يضيق عن ذكر صحائف فضلهم المقام ..

والذين يزعمون أن السياسة تلوث ثوب الداعية ، يحتاجون إلى مزيد من التأمل ، بل الداعية الذي تلوث ثيابه السياسة يحتاج إلى مزيد من الفقه ، ولا تحملوا واقع القاصرين على حقائق العقائد والمبادئ ...

المقدمة الثانية : ليس انتقاصا للأحزاب السياسة ..

وحين ننفي عن " جماعة الإخوان المسلمين " وصف الحزب السياسي ، فهذا لا يعني أننا نرفض الأحزاب السياسية ، أو أننا ننتقصها . بل إن ما يجب أن نؤكده في هذه المقدمة ، أن التنظيمات الجماعية ، في أفاقها السياسية والمدنية والإنسانية ، هي البنى المؤسسة للحياة العامة في المجتمعات الديموقراطية ولاسيما في هذا العصر . ولذا فيجب على كل العاملين في الحقل الوطني أن يتوقفوا عن " نبذ الحياة الحزبية " والتكوينات الحزبية ، مهما تكن الأسس التي تبنى عليها ، مادامت في أطر المشروعية الأخلاقية والقانونية . ويظل بعض وجوه الناس في مجتمعاتنا يتمدح أنه ظل مستقلا ، ولم ينتم أبدا إلى حزب !! وكأنه لم يقرأ رائعة الإيادي لقيط ابن معمر :

ما زال يحلب هذا الدهر أشطره .. يكون متبِّعا حينا ومتبَّعا ..

المقدمة الثالثة :

أن الدساتير والقوانين في كل الأمم التي تملك قراراتها السيادية ؛ إنما تُبنى على التوجهات العامة للمجتمعات ، ترعاها وتنظمها وتفتح أمامها آفاق العمل الدؤوب ، والإنجاز المثمر ، وآفاق التطور الإيجابي البناء أيضا ، على سنن التطور في مساراتها في الارتقاء والاصطفاء . وليس على قاعدة الكسر أو الهصر . ليس هناك سلطة راشدة تختار الصدام مع مجتمعاتها . ولا يخرج على توجهات المجتمعات إلا أعداء هذه المجتمعات ، من أصحاب الترات التاريخية والإيديولوجية ، أو أصحاب الأجندات المستوردة والخارجية .

كتب مصطفى صادق الرافعي منذ ما يقرب من قرن عن " معركة القبعة" وكم علق رجال على المشانق من أجل " قبعة " !! وحتى اليوم لم تستو القبعة على رأس عربي ولا تركي ولا كردي . ولتعلمن نبأه بعد حين .

ثم نفيض ..

وحين نقول عن " جماعة الإخوان المسلمين " ليست حزبا فلأن ثوب الحزب أضيق من أن يحيط بمقاصدها وأهدافها وآفاق نشاطها. و"جماعة الإخوان المسلمين " لا تزعم أنها جماعة إسلامية تمثل جميع المسلمين ، ولكنها تؤكد أنها حريصة ما وسعها الجهد أن تقوم بأمر أركان الإسلام وشعب الإيمان قدر ما تستطيع . فالبرنامج الدعوي العام لدعوة الإسلام ومنها اشتقت – دعوة جماعة الإخوان المسلمين – سياساتها وبرامجها ، أكبر من برنامج سياسي . بل إن البرنامج السياسي فرع في شجرة الدعوة الباسقة بفروعها البضع والسبعين ، أعلاها الدعوة إلى " لا إله إلا الله " وأدناها إماطة الأذى عن الطريق . وبين هذا وذاك ينتشر برنامج عمل غير محدود للدعاة العاملين .

وإذا كان برنامج الحزب يتوزع على مرحلتين الأولى في طريقه إلى السلطة ليكسب أصوات المؤيدين ، والثانية بعد وصوله إلى السلطة لينفذ ما يؤمن ويرتئيه ؛ فإن البرنامج الإسلامي الدعوي لا يتمحور أبدا حول السلطة. وهذا ليس على مذهب " هذا حصرم رايته في حلب " بل إن من البرنامج الدعوي للدعاة إلى الإسلام ما يتحقق بعيدا عن السلطة ، ومنه ما يمضي في طرق موازية لا يصطدم ولا يتقاطع .

في البرامج الدعوية أهداف فردية وجماعية، فكرية وثقافية وسلوكية تمضي لغايتها، وتحقق نجاحاتها مع السلامة من سلمى وجارتها . كثير من الأهداف الدعوية ما يتحقق بدون السلطة وقبل السلطة وعلى عين السلطة ، ورغم أنف السلطة ...بل إن منها ما عمل عليه سيدنا يوسف في قرارة السجن وهو ينادي ( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ..) وسيدنا يونس وهو يسبح في بطن الحوت ( لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) أو سيدنا شعيب هو يخبر قومه ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ )

أكثر من نصف قرن وقد تعلمنا وعلمنا أننا لسنا حزبا سياسيا ، ولا نحن جمعية خيرية ، ولا ناديا ثقافيا أو رياضيا ، ولا فرقة كشفية ، ولا منبرا إعلاميا ..ولا زاوية صوفية ، ولا توجها سلفيا ..بل نحن ، وإن أصبنا من كل ما مر نصيبا ، دعوة مفتوحة إلى الخير ، حيثما كان الخير ، وفي كل ميدان بحسبه ومقتضاه ..

لسنا حزبا سياسيا ..

لأن الهدف الأساس للحزب السياسي أن يصل إلى السلطة ليطبق من خلالها برنامجه الذي يرتئيه ..وقد آذانا كثيرا من رآنا كذلك. وفرض علينا أن نظل أبصارا شاخصة إلى السلطة ، وكأنها من أمرنا أوله وآخره ، وظاهره وباطنه ...

ونحن فيما تعلمنا وعلمنا ما زلنا قائمين على منبر منذ تحملنا قول ربنا : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ..) والدعوة إلى الخير تكليف مفتوح قائم لا يحده غير ظرفه ، ولا يتحكم فيه غير ترتيب أولوياته ..

الدعوة إلى الخير تظل أبدا أكبر من الدعوة إلى حزب ، وأسمى من رغبة سلطة ..وللدعوة إلى الخير سبعون بابا ، ولكل باب منها سبعون مفتاحا ، كلهم يفضي إلى " الهدف " ويصب في مصبه .

دعوة الناس إلى الالتزام بمكارم الأخلاق لم تكن دعوة إلى حزب ، ولا سلوكا إلى سلطة ..

ودعوة الناس إلى الوقوف عند حدود الله ، والقيام بواجبات الإسلام لم تكن دعوة إلى حزب ، ولا سلوكا إلى سلطة ..

توعية الناس بما حولهم ، وما عليهم وما لهم ..لم تكن دعوة إلى حزب ولا سلوكا إلى سلطة..

فتح المدارس لمحو الأمية لم يكن دعوة إلى حزب ولا سلوكا إلى سلطة..

توجيه الناس والحض على تعليم البنات والسماح لهن بالذهاب إلى المدارس والجامعات .. لم يكن دعوة إلى حزب ولا سلوكا إلى سلطة ..

الحض على التكافل الاجتماعي بألوانه وأشكاله، والقيام ببعض أعبائه لم يكن دعوة إلى حزب أو سلوكا إلى سلطة.

الوقوف إلى جانب المظلومين في كل ميدان لم يكن دعوة إلى حزب ولا سلوكا إلى سلطة ..

رفض الغلو والتعصب، وأهمه التعصب الطائفي والمذهبي لم يكن دعوة إلى حزب ولا سلوكا إلى سلطة ..

تعليم الناس الآداب الاجتماعية ، والمسئولية الفردية والجماعية ، عن أمن الوطن وقواعد البر والقسط فيه لم يكن دعوة إلى حزب ولا سلوكا إلى سلطة ..

الذهاب إلى المجالس النيابية بالروح العملية الإيجابية كان هو أحد الأنشطة التي مارسناها في ظل القوانين ، ورضينا نتائجها بالروح الرياضية ، وقمنا بحقها بكل الإيجابية ، تعبيرا عن حقوق من وثق فانتخب ..

لم نكن يوما دعاة إلى حزب، ولا يمكن لحزب أن يؤطر هذا الوجود الحيوي الحياتي المنتشر . ..

لقد سامنا رهقا فريقان ..

فريق حُسب علينا وزعم أن برامجنا الدعوية المفتوحة لا تتحقق إلا من خلال سلطة ، فوضعنا وجها لوجه في صراع مع سلطة باغية معتدية لا تؤمن بحق ولا بقانون ..وهذا ملف ما يزال عالقا ، وربما لم يحن موعد فتحه !!!!

وفريق من خصم ومن عدو ما يزال يفتل بالذروة وبالغارب لينال من عقيدتنا ومن شريعتنا ومن وجودنا..

من حقنا أن نكيّف وجودنا ، وأن نعبر عن كينونتنا ، بالطريقة التي ترضينا ، فنحن وجود متمكن أمكن في ضمير هذه الأمة ، وواقع هذه المجتمعات التي ننتمي إليها ، ولسنا " نون رفع " يحذفها ناصب أو جازم ولن نكون ..

مسلمون مصلحون نعلم الناس سورة الفاتحة وآداب المجالس وحق الطريق كما نشارك في صناعة الغد وكتابة الدستور ..

لا نحجر على أحد ولا نقبل من أحد أن يحجر علينا ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 884