مسلمون متطرّفون!

أدباء الشام

[ بتصرّف، مجلة الأمة – العدد 57 – الافتتاحية – رمضان 1405هـ/أيار 1985م]

لا بدّ لنا من الاعتراف بأن الإعلام المعادي للإسلام استطاع أن يزرع مصطلح "التطرف" في عالم المسلمين، ويجعل منه سلاحاً يُشهره وقت اللزوم، ويدمغ به كل مظهر أو سلوك أو توجه نحو الإسلام لشل حركة الدعوة إلى الله ومحاصرتها، وتحنيط الدعاة وإقامة الحواجز النفسية بينهم وبين الناس، وإشاعة جو من الرعب والتخويف من العمل الإسلامي، إلى درجة استقر معها هذا المصطلح في شعور كثير من بسطاء المسلمين الذين سقطوا ضحايا الإعلام المضلّل، واقتصر دورهم على قراءة ما يُكتب لهم ويُعرض عليهم، فأصبحوا ينظرون بارتياب إلى كل من يدعو إلى الله دون الرغبة في مناقشة ما يدعو إليه وعرضه على ميزان الإسلام لمعرفة الحق من الباطل.

ولقد أسهم بحملة التضليل هذه بعض علماء السوء وفقهاء السلطان الجائر عن سابق تصور وتصميم، لأنه جزء من المهام المنوطة بهم في مخطط حملة الكراهية، كما أُسقط فيها بعض العلماء عن حسن نيّة، ظنّاً منهم أن القضية تقع ضمن مهمتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ونحن هنا لا نريد الدفاع عن الخطأ ولا حمايته، ولا تكريسه في عالم المسلمين، فقد يكون هناك خطأ من بعض العاملين للإسلام بسبب من رد فعل، أو ضغط موقف غير إسلامي، أو ضعف ثقافة وضآلة فقه، فأمر وقوع الخطأ محتمل منذ فجر الدعوة، والتصويب الدائم منذ فجر الدعوة كذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم قال للشباب الذين أخذوا أنفسهم بأكثر من الاعتدال: "مَن رغب عن سنّتي فليس مني". لكن الخطورة كل الخطورة أن نسوي الخطأ بالانحراف، فهناك عاملون مخطئون، وهناك أعداء منحرفون، ديدنهم مطاردة الشباب المسلم، وتضخيم أخطائهم، والإغراء بهم لقتل روح الفاعلية الإسلامية في نفوسهم. ولا شك أن الشباب المسلم أنظف الناس سلوكاً، وأعلاهم أخلاقاً، وأشدهم على أعداء الدين والوطن. هم أجنحة الصحوة الإسلامية، ورصيدها الدائم، ومَعينها الذي لا ينضب. هم المصلّون في المساجد، القارئون لكتاب الله عز وجل، حُماة القيم، وعُدّة السلم، وعتاد الحرب، وما أعظم أجر الشاب الذي ينشأ في طاعة الله...

وقد يكون بعض شبابنا وبعض شيوخنا أسهم، عن قصد أو عن غير قصد، بتشويه صورة العاملين للإسلام حتى اتخذ منها الأعداء أدلة ووسائل إيضاح، لكن ذلك لا يجوز بحال من الأحوال أن يجهض الصحوة ويبعثرها، ويبدّد طاقاتها، ويجعل بأسها بينها شديداً... إن قضية التعصب والتطرف والتزمّت، وهذه القائمة من المصطلحات التي لا تنتهي، هي الألغام التي زُرعت على أرض الصحوة الإسلامية لتنفجر في كل سائر على الطريق، إنها وسائل أعداء الإسلام المقنّعة لمحاربة الإسلام، والتي لا تتوقف عند حد، فقد أصبح من التطرف اليوم أن يُسمى الإنسان باسم إسلامي، وأن يكون للشاب لحية اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن التطرف أيضاً أن تلبس المرأة اللباس الساتر، ولسوف نبقى نوصم بالتطرف والتعصب طالما بقيت عندنا بقية من دين، والله تعالى يقول: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع مِلّتهم).

وسوم: العدد 886