الفَهْمُ .. وَ النْيَّةُ

د. حامد الرفاعي

قَالَ أحدُ الزُمَلَاءِ : يا أبا فيصل إنَّنِي أتَابِعُ رَسَائِلَك بِاهْتِمَامٍ.. حقًا.. إنَّك تُؤدِي مَهَمَةً جَلِيلَةً في تَأصيلِ المَفَاهيمِ.. فَالأجْيَّالُ بِحَاجَةٍ لِمثِلِ هَذَا الترْكِيزِ والتَوْضِيحِ.. ولَكِنْ ألا تَرى أنَّك في بَعْضِ رَسِائِلِك تَجْنَحُ عَنْ الصَوابِ..؟ فَتَغْمِزُ بِالدُعَاةِ وأصْحَابِ الحَرَكاتِ الإسْلَاميَّةِ المَشْهُودِ لَها بِالصْلَاحِ.. قلت: لا.. لا أرى ذلك فَهَذا ليسَ مِنْ خُلقي.. قال: بَلْ مِثْلَ هَذَا قَدْ كَان.. قلت: هاتِ مَا عِنْدِكَ.. قال: ألمْ تَقل في رِسَالتِك:(الفَهمُ الغَريبُ المُعْتَلُ):" يُصْرُ الغُلَاةُ والمُتَحزِبُون مِنَ المُسْلِمين في فَهْمِ حَديثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم :" لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ ..؟ قَالَ: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" عَلَى أنَّ عِبَارَةَ (طَائفَةٌ) في الحَدِثِ الشَرِفِ أنَّمَا هِي تَخصُ الدُعَاةَ فَحْسب, ولا تَشْمَلُ السَاسَةَ والدُوْلَ بِحَالٍ ,ويُصِرّونَ عَلَى أنَّ دَوْلَةَ الإسْلَامِ اليَوْمَ غَائِبَةٌ لا وُجُدَ لَهَا ..؟! ثُمَّ وصَفْتَ فَهْمَهم هَذَا بِقَوْلِك: "الفَهْمُ العَقِيمُ السَقيمُ" قلت: بِكُلِّ تَأكيدٍ قُلْتُ ذَلِكَ وأُكرِرُه اليَوْمَ وغداً حَتى يَتبيَّن لِي غَيْرُه.. ثُمَّ قُلتُ : وَهَلْ أنْتَ مِنْ أنْصَارِ الغُلوِ والتَحَزُّبِ وَاحْتِكَارِ الفَهْمِ والاجْتِهَادِ الصَحِيحِ ..؟ قال: لا.. قُلْتُ: ومَا هِي عِلْةُ اعْتِرَاضِك إذاً ..؟ قَالَ: النَّاسُ أوْلُوا كَلَامَك أنَّه هُجُومٌ عَلَى الجمَاعَاتِ والأحْزَابِ الإسْلَاميَّةِ.. قُلْتُ: دَعْنِي أُرِيحُكَ وأُرِيحُهمَ وَأُعْلِنُ بِكُلِّ وضُوحٍ وإصْرَارٍ: أنَّني حَرْبٌ عَلَى الغُلو والحِزْبيَّةِ والتَحَزْبِ والاحتِكَارِ والتَعَصُب أيَّاً كَانَ مَصْدَرُه.. مَعَ التَأكِيدِ: أنَّني لا أتْهِمُ النَوايَا فَهَذا أمْرٌ مَوكولٌ إلى اللهِ تعالى.. ولَكنَني أتْهِمُ وأتْحَفظُ عَلَى الفُهُومِ والسُلُوكِيِاتِ الجَانحَةِ ..والرسول صلى الله عليه وسلم عَلْمَنَا أنْ نَقُولَ: "مَا بَالُ أقْوَامٍ ..؟"ونَتَجَنَبَ التحْدِيدَ والتَعْينَ.. وعَلَّمَنَا صلى الله عليه وسلم أنْ نَتَبَرأ مِنَ الأعمَالِ وَلا نَتَبَرأ مِنَ الأشْخَاصِ لَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم :"اللَّهُمَّ إنْي أبْرَأُ إليكَ مِمَا صَنَعَ خالدٌ" وبَعْدُ.. فَهلْ مَعَ مَا تَقَدَمَ مِنْ بَيانٍ يَبْقَى هُنَاك غَمْزٌ ولَمْزٌ بِأحدٍ مِنْ عِبَاِد اللهِ ..؟

وسوم: العدد887