البهائم البشرية!

أ.د. فؤاد البنا

أشرك الله البشر مع سائر الكائنات الأرضية في الخلقة الترابية التي تمتاز بالغرائز وتنضح بالنزوات، ثم كرّمه وميّزه بأن نفخ فيه من روحه، ومنحه العقل الذي يختار ما هو أنفع، ووهبه الروح التي تتوق للسمو في الأعالي.

وحينما يُفرِط المرء في إشباع رغائبه يُفرّط الإنسان في النفخة الروحية فلا يعرف قدرها ولا يعطيها أزوادها؛ فإنه ينحط إلى أسوأ من دركة الحيوانات!

وقد رأينا في هذا السبيل أناساً تتسفل بهم غرائزهم إلى درجة البهيمية، وتنحط بهم شهواتهم كالدواب، ويفقدون كل أثر لجهاز الوعي حيث يعطلون أسماعهم وأبصارهم وألبابهم كأنهم أنعام لا تعي إلا ما يشبع غرائزها، ومن أجل إشباع شهواتها والاستحواذ على الموارد المتاحة فإنها تتوحش على غيرها فتستخدم أظافرها ومخالبها وأنيابها وتبالغ في الفتك بمن هو أضعف منها!

***********************************

شذوذ وتضليل!

يا للهول فإن بلدان العرب تعيش في فتن مدلهمة وأخطار عظيمة؛ حيث أن  (التخلف) هو وحده من يسير في مناكب (التقدم)، و(الموت) هو من يستمتع ب(الحياة) المريحة، و(الخرافات) هي التي يحتضنها الواقع ك(حقائق) لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وما برحت (المنكرات) السياسية والاقتصادية والاجتماعية تتدثر بأردية (المعروف)، وما فتئ (الأشرار) يتلفعون بأردية (أهل الخير)!

وكم تتعرض أعين عامة الناس لسحر عظيم من قبل كهنة الدين ودهاقنة الإعلام، ومن أدعياء الثقافة ومرتزقة الأدب؛ حيث يزينون في أعينهم المَشاين، ويْجمّلون لعقولهم القبائح، ويستخدم علماء السوء الفتاوى لرتق فتوق الطغاة وتسويق تفاهاتهم، ولشيطنة دعاة الخير وتسفيه رواد الحرية والعدالة الاجتماعية!

إننا بحاجة ماسة لاشتراك أرباب الثقافة ورواد الحرية وكل من يحملون مشاعل العلم، في معركة الوعي وصناعة الاستنارة، ونحتاج لتضافر جميع الجهود من أجل تمزيق أغلال الجهل وتجفيف منابع الخرافة.

***********************************

حلاوة الحياة!

كما أن للجسم شهوة يرتعش لها البدن، فإن للروح نشوة يتلذذ بها المرء ويطير بها في سماء السعادة، وتظهر هذه النشوة كلما قدم المرء زادا لروحه بيَدي العلم والإخلاص، حيث تؤدي المواظبة الخاشعة على إقامة الشعائر إلى تذوق لذتها والدخول في باحة الراحة، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لبلال إذا حضر وقت الصلاة: 'أرِحنا بها يا بلال".

وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم تصورا كليا يمثل الإطار النظري لهذه السعادة الروحية؛ بقوله: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا ورسولا".

وفي ذات السياق قال عليه السلام: "ثلاث من كُنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار".

ولما كان الإنسان مخلوقا من التراب والروح؛ فإن سعادته لا تتحقق إلا بالموازنة التامة بين الروح والمادة وبالموائمة بين الدنيا والآخرة بطريقة تجعله يعبد الله في محراب الحياة كلها، بحيث يدخل على الإيمان من كافة الشُّعَب التي تضمن عمارة الأرض وصناعة الحياة وفقا لمنهج السماء.

وسوم: العدد887