مراحل حياة الإنسان

د.عثمان قدري مكانسي

المرء في حياته يمر بخمسة مراحل ، آخرها الهدف الذي يقرر السعادة أو الشقاء.

ذكرها القرآن الكريم في سورة البقرة، الآية الثامنة والعشرين:

كيف تكفرون بالله وكنتم

الإسلام دين الفكر والعقل كما أنه دين العاطفة كذلك، فالإنسان عقل وعاطفة ،ولا بد لإقناع المرء من مخاطبته بهما معاً. وهذه الآية الكريمة خير مثال على ذلك،إذ بدأت الآيةُ بالاستفهام الإنكاري الذي يدفع إلى التفكير بسبب وجودنا ( وما خلقت الجنَّ والإنس إلّا ليعبدون).

ولتتعرف الطريق السليم إلى إلهك عِش أجواء هذه الاية التي تأخذ بيد العاقل اللبيب إلى الحقيقة خطوة خطوة ، وتدَبَّرها مع البرهان والدليل المصاحب.

لا بد أن ننوِّه إلى أن المراحل الثلاثة ( كنتم أمواتاً، فأحياكم، ثم يميتكم)لا ينكرها أحد مطلقاً فليس هناك من يدّعي أنه لا بداية له وأنه حي أبدي سرمدي ، لم يكن ميتاً ،ولا يزعم أنه ليس موجوداً بدليل أنه يتكلم ويشرب ويأكل وينامُ ويتزوج ... كما أن الناس جميعاً مؤمنَهم وكافرَهم يعلم أنه سيموت ، فالناس مشتركون جميعاً بالإيمان بتلك المراحل الثلاثة فلا حاجة للتوسع فيها.

وننوّه مرة أخرى إلى دقة المعنى القرآني في هذه الاية الكريمة، فالمرحلة الأولى انتهت والمرحلة الثانية بدأت ، فحدثنا القرآن عنهم بصيغة الفعل الماضي( كنتم أمواتاً ، فأحياكم) ولأن المرحلة الثالثة لمّا تبدأ نبّه إليها بصيغة الفعل المضارع ( يميتكم) ولأنّ المرحلة الثانية بدأت استعمل الفاء – حرف العطف – للترتيب والتعقيب، أما المرحلة الثالثة فقد تأتي متأخرة سنين كثيرة ، وقد يعيش المرء عشرات السنين ، فكان الرابط لها حرف العطف( ثُمَّ) للترتيب والتراخي، وللسبب نفسه استعمل في المرحلتين الرابعة والخامسة حرف العطف نفسَه ( ثُمَّ).

ولماذا يحيينا في ذلك اليوم ؟ إنه يوم الحساب ، نسأل الله العفو والعافيه وحُسنَ الختام، ونسأله رضاه والجنّة. يحيينا ومع كل منّا سائق وشهيد، ومعنا الكتب التي تحمل ما عمله الإنسان من خير وشرٍّ.

هنا الفرق بين المؤمن والكافر، فالمسلم رأى عجائب قدرة الله في المراحل الثلاثة ووجد صدقها فآمن بالمرحلتين الرابعة والخامسة بناء على الصدق الذي وجده فيما سبق، كان ذا عقل وعاطفة قاداه إلى السلوك المستقيم لينجو حين يلقى ربه ، ومن كان منطقي التفكير قاده التفكير السليم إلى منطقية الاستنتاج الصحيح، فمن أخبرنا عن المراحل الثلاثة الأولى هو من حدثنا عن المرحلتين الأخيرتين – سبحانه- أما الكافرفقد خانه الشيطان والهوى فقاداه إلى سوء التفكير وفساد العاطفة أوصلاه إلى الإنكار ومخالفة الفطرة.

(قالوا : ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ، فاعترفنا بذنوبنا ، فهل إلى خروج من سبيل؟) الأولى والثالثة موتٌ ،والثانية والرابعة حياةٌ ، وقد عاينوا الصدق في هذه الاية التي ذكرنا في سورة البقرة، ولكن سبق السيفُ العذل، فلا خروج من النار، والسبب(ذلكم بانه إذا دُعيَ الله وحدَه كفرتم وإن يُشرَك به تؤمنوا..)

هذه الاية مثال واحد للتففكير الحر المنطقي الذي يوصل إلى الهدف بسلام، ليس في ديننا غموض ولا جهل ولا تجاهل كما عند الآخرين( أطفئ سراج عقلك واتبعني) إنما القاعدة ( إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ..لقوم يتفكرون...لأولي الألباب..لمن كان له قلبٌ او ألقى السمع وهو شهيد ..).

اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وارزقنا رضاك والجنة، وصحبة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبَه الأبرار.  

وسوم: العدد 893