ليس في المجتمعات صراعات أجيال ، بل صراعات عقول وخبرات !

عبد الله عيسى السلامة

تساؤلات لا بدّ منها : 

هل الدول الديموقراطية ، التي ابتكرت نظام المُدَد المحدّدة للرؤساء ، وحصرتها بفترتين .. هل هذه الدول اخترعت هذا النظام ، لأن المسؤول يعطي كلّ ماعنده ، بالفترتين ، ويجب جلب مسؤول جديد ، لديه أشياء جديدة ، يقدّمها لشعبه .. أم ابتكروا هذا النظام ، لإتاحة المجال لأناس آخرين ، من الحزب نفسه ، أو من  أحزاب أخرى، لتحقيق المساواة والعدالة ، بين المواطنين ؟   

وهل الشابّ ، الذي لاخبرة لديه ، في العمل السياسي والإداري ، يكتسب خبرة ، في مرحلة عمله الأولى ، ثمّ يستنفد خبرته ، في المرحلة الثانية ، فلا يبقى لديه مايقدّمه: من أفكار، وابتكارات إبداعية عقلية ، في مناقشة المشكلات ، وتقديم حلول لها ؟ 

وهل العلماء والفقهاء ، والمفكّرون والمنظّرون ، يستنفدون طاقاتهم وقدراتهم ، في ثماني سنين ، أو عشر، أو عشرين ، أو ثلاثين ، أو أربعين .. فيجب عليهم الكفّ عن أعمالهم ؛ لأنهم استنفدوا كلّ مالديهم ؟ 

وهل القادة العظام ، في تاريخ أمّتنا ، وتواريخ الأمم المختلفة ، في المجالات السياسية والعسكرية والإدارية .. هل طُلِب منهم التنحّي ، عن أعمالهم أو مناصبهم، لأنهم استنفدوا قدراتهم وطاقاتهم ، ولم يبق لديهم مايقدّمونه لشعوبهم ؟ 

وهل القدرات والخبرات ، التي اكتسبها عظماء الأمّة، وعمالقة الإبداع والتفكير فيها، في القديم والحديث .. هل تُعَدّ هذه القدرات والخبرات ، مساوية لخبرات الشباب المبتدئين ؛ فيُطلب من الكبار، تسليم مواقعهم للصغار؛ لأنهم أقدر على الحركة البدنية منهم ؟ 

وأخيراً : هل مايردّده بعض الناس ، ممّا يسمّى صراع أجيال .. هل هو، حقّاً ، صراع أجيال ، أم صراع قدرات وطاقات وإمكانات ؟  

وإذا قيل : إن الكبار، أصحاب الخبرات والطاقات ، والإمكانات المميّزة ، يمكن الإفادة منهم ، في مواقع صنع القرارات .. فيُطرَح السؤال : هل للخبير المستشار، سلطة على القرار، أم إن صانع القرار، هو مَن يتّخذ قراراته ، على ضوء خبرته، الغنيّة أو الضحلة ، ويَضرب عُرض الحائط ، بما لايعجبه ، من آراء الخبراء والمستشارين ؟ 

وهنا ، لانرى مندوحة ، من الاستشهاد ، بقول الشاعر دريد بن الصِمّة ، الذي نصح قائد الحرب ، قبل بدايتها ، نصيحة .. فلم يكترث بها ، وأعمل رأيَه ، فجلب مصيبة ضخمة على قومه ؛ إذ قال دريد ، بَعد الفاجعة :  

أمرتُهم أمريْ ، بمُنعرَج اللِوى    فلمْ يَستبينوا الرُشدَ ، إلاّ ضحى الغدِ ! 

وسوم: العدد 897