وحدتنا الترابية جزء لا يتجزأ من هويتنا الوطنية الجامعة

ونحن على بعد يوم واحد من  حلول ذكرى استقلال وطننا ،وقد حلت قبل ذلك ذكرى استكمال وحدتنا الترابية ،لا بد من وقفة بمناسبة حلولهما وهما لا تنفكان عن بعضهما لصلتهما بهويتنا الوطنية الجامعة  . والوقوف لا يكون باستحضار أحداثهما فقط بل يكون بتأمل فيهما يفضي إلى ما يحقق وعيا  أو يجدده بهذه الهوية لدى أجيال ما بعد الاستقلال، وما بعد استكمال الوحدة الترابية .

ولا بد أولا قبل الوقفة التذكير بمعنى الهوية التي يعرفها أهل الاختصاص بأنها مجموع صفات يتقاسمها شعب، وتكون حاضنة له تحميه من الزوال أو الذوبان في هويات أخرى أو الانشطار إلى هويات صغرى تهدد الهوية الجامعة بينها.

وعندما نقول الهوية الوطنية الجامعة  ، فنحن نعني وجود عنصر بشري له خصائص ومميزات في حيز جغرافي وفي امتداد تاريخي . ولقد تعرضت هويتنا الوطنية مع بدابة القرن العشرين إلى اعتداء على حيزنا الجغرافي من طرف احتلالين بغيضين طامعين في ثرواتنا المتنوعة  لتحقيق رفاهيتهما على حسابنا . وكان ذلك اعتداء علينا كعنصر بشري لا تكتمل هويته إلا باستقلال جغرافيته الحاضنة له . ولقد أدينا ثمنا باهظا في الأرواح ، وخسارة مادية فادحة من أجل الدفاع عن هويتنا الوطنية ،وتخليص أولا جزءا من حيزنا الجغرافي من الاحتلال الفرنسي البغيض، ولمّا يكتمل دفاعنا عن هويتنا حتى تم  استكمال وحدة حيزنا الجغرافي برحيل المحتل الاسباني البغيض .

وما كاد استكمال وحدتنا الترابية يحصل حتى ظهر من جيراننا الذين تربطنا بهم هوية العروبة والإسلام ما لم يكن في الحسبان ،وهو المساس بهوتنا الوطنية من خلال التشكيك في وحدتنا الترابية عن طريق محاولة اختلاق هوية وهمية داخل هويتنا الوطنية الجامعة  ضاربة عرض الحائط شهادة التاريخ عليها .

 ومع شديد الحسرة والأسف كانت الهوية  الوطنية لجيران الأشقاء قد تعرض هي الأخرى لاعتداء الاحتلال الفرنسي البغيض ، وكان الكفاح من أجل هويتنا وهويتهم واحدا ، وكان الخندق الواحد من أجل ذلك يجمعنا ، وكانت دماؤنا تسقي حيزهم  الجغرافي تماما كما تسقي حيزنا الجغرافي من أجل خلاص هويتهم التي كانت أكثر عرضة للتهديد من طرف المحتل الفرنسي  الذي كان يروم توسيع حيزه الجغرافي إلى ما وراء البحر المتوسط جنوبا ليكون قريبا من كل حيز جغرافي احتله في القارة السمراء  ليستنزف خيراته التي لا مثيل ولا حدود لها . ومن سوء الطالع أن أفضى الأمر عند جيراننا إلى طغمة عسكرية حاكمة لم ترع جوارا ولا أخوة ولا كرما ،وقد استهوتها ايديولوجية أجنبية  فاشية  في خضم صراع بين معسكرين  كان كل منهما يروم الامتداد عبر جغرافية العالم على حساب الهويات الوطنية للشعوب الضعيفة والمقهورة التي كانت إما مهددة في هويتها باحتلال أو كانت حديثة عهد بخلاص هويتها من خطر الاحتلال .

ومع أن تلك الايديولوجيا الفاشية انتهت كنهاية كل فاشية سبقتها ، فإن تلك الطغمة العسكرية ظلت على سابق عهدها الفاشي تريد النيل من هويتنا الوطنية من خلال الزج بأبنائنا في معتقل رهيب ،وفي أسوأ ظروف العيش الممتهنة لكرامتهم ، وقد سبطت عليهم عصابات إجرامية تمنعهم من التفكير في اللجوء إلى حاضنتهم الجغرافية الحامية لهويتهم الوطنية الجامعة .

ولقد عمل بلدنا ما في وسعه لتخليص أولئك  المواطنين المحاصرين في ذلك المعتقل الرهيب ،وأظهر للعالم أجمع  أقصى ما في المرونة مقترحا على المغرر بهم ممن توظفهم الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر لحصار إخوانهم حكما ذاتيا مع صيانة وحفظ هويتهم الوطنية الجامعة  التي تستهدفها تلك الطغمة الفاشية باستهداف حيزنا الجغرافي الذي اكتملت به وحدتنا الترابية بشهادة التاريخ ،وكفى به شاهدا ، وقد أقنع بشهادته أكبر محكمة عدل في العالم.

ولقد جعلت الطغمة العسكرية من قضية وحدتنا الترابية مطية لتبرير تسلطها على الشعب الجار الشقيق وحرمانه من اختيار من يحكمه ، وقد صادرت إرادته  في ذلك يوم أتيحت له الفرصة ، فتسلطت عليه بالحديد والنار في عشرية دموية رهيبة ، كما صادرت آخر حراك له كان يتوق فيه إلى تحقيق حلمه بالانعتاق من الفاشية العسكرية. ومع أن حيز هذا الشعب الجغرافي قد حباه الله عز وجل بخيرات من زيت وغاز من شأنها أن تجعل  هذا الشعب  المحروم منها ينعم في بحبوحة من العيش إلا أن الطغمة العسكرية الفاشية حرمته من ذلك بنهب مقدراته وصرفها على قطّاع طرق كلفتهم باعتقال رعايانا في معسكرها الرهيب ، وهي تخادع شعبها وتوهمه بأن ما تفعله هو لصالحه تروم بذلك الاستخفاف به ليطيعها  في فاشيتها علما بأن هم هذا الشعب هو التخلص منها ،واستعادة إرادته في اختيار من يرضاه ليحكمه ، ومن يخرج به من وضعية مزرية إلى مستقبل مشرق ، ومن ذهنية إضمار العداء لأشقائه وجيرانه إلى ذهنية التواصل والتعاون معهم  في إطار هوية عربية إسلامية جامعة  على غرار ما هو عليه الحال بالنسبة  للهوية الغربية الجامعة شمال حيزنا الجغرافي.

إن الغرض من هذه الوقف بحلول مناسبتين ذكرى استقلال ، وذكرى استكمال الوحدة الترابية هو تذكير أجيال ما بعدهما بما يقتضيه واجب الوعي  بالحفاظ على هويتنا الوطنية بكل مقوماتها بما فيها الوحدة الترابية . ولا مجال للتغريد خارج السرب كما يقال بالنسبة لهذه الوحدة التي يعد المساس بها مساسا بالهوية الوطنية الجامعة. ولا يمكن البتة السماح لطيف من الأطياف أن يغرد هذا التغريد النشاز تحت أية ذريعة حزبية أو طائفية .

وسوم: العدد 903