لا يجب أن تعلو أو تطغى أو تتميّز هويات عرقية أو طائفية أو لغوية على الهوية الوطنية الجامعة

نقلت وسائل الإعلام الرسمية يوم أمس حفل  توقيع بلاغ مشترك بين حزب سياسي وجبهة عمل سياسية ذات توجه أمازيغي، كانت حسب تصريحها عازفة عن العمل الحزبي من قبل ، وقررت الانتقال إلى ممارسته بالانضمام إلى هذا الحزب من أجل المشاركة السياسية ، و تحقيق ما تصبو إليه من أهداف تتعلق بحفريات في التاريخ  كانت قد سطرتها ، وذلك من خلال إصدار قوانين عبر المؤسسات التشريعية حسب تصريح أحد أعضاء الحزب الذي اعتبر حزبه أمازيغيا .

ومعلوم أن الهوية الوطنية المغربية الجامعة تجمع بين مجموعات متنوعة من الهويات المنضوية تحتها منذ كانت هذه الهوية الوطنية عبر التاريخ . ولم يحدث أن فكرت هوية من الهويات المنضوية تحتها عرقية كانت أو طائفية أو لغوية  الاستعلاء عليها أو تقديم نفسها بديلة عنها . ومما ساعد على رسوخ الهوية الوطنية الجامعة الهوية الإسلامية التي ساهمت في صهر كل تلك الهويات  في هوية وطنية واحدة جامعة لها .

ومن ضيق الأفق السياسي أن يحصر حزب ما  انتماءه في هوية عرقية أو طائفية أو لغوية محددة ،لأن المطلوب في الأحزاب السياسية  انفتاحها على كل تنوع هوياتي واعتمداها الهوية الوطنية الجامعة والمتعالية على غيرها من الهويات المكونة لها . وإذا ما فتح الباب  لتصريح الأحزاب السياسية باعتماد هويات طائفية أو عرقية أو لغوية ، فإن ذلك سيضرب الهوية الوطنية الجامعة في الصميم، فيصير لكل حزب هوية خاصة به ،الشيء الذي سيخل بوحدة الهوية الوطنية الجامعة  للأمة.

وإن الأمة المغربية لا يجب أن يوجد فيها من نكر أنها ذات هويات عرقية وطائفية ولغوية أو يعترض على وجود هوية من هذه الهويات ، ولا  يروم رفع هوية فوق أخرى أو يخصها بامتياز لأنها متساوية أمام الهوية الوطنية الجامعة ، ومن حق كل مواطن أن يتبنى الهوية التي يرغب فيها لأنه في نهاية المطاف سيلتقي مع غيره في هوية وطنية جامعة .

ومن حق كل هوية عرقية أو طائفية أو لغوية أن تحفر ما شاءت من حفر في التاريخ شريطة أن يكون هذا الحفر إيجابيا وبنّاء لا يراد به طمس معالم هويات أخرى أومحاولة الهيمنة عليها بشكل من الأشكال . ولا بد لكل الهويات العرقية والطائفية واللغوية المنضوية تحت الهوية الوطنية الجامعة أن تتعايش فيما بينها بتوازن لتمد الهوية الوطنية الجامعة بما يثريها من تنوع إيجابي.

ومعلوم أن الهويات المختلفة  عرقيا وطائفيا ولغويا والمنضوية تحت هويتنا الوطنية الجامعة يتجلى تناغمها الثقافي المتنوع والتام في شتى المجالات . فإذا أخذنا على سبيل المثال لا الحصر النشاط الثقافي المتعلق بالفروسية الذي يقام في طول الوطن وعرضه ، نجد العنصر البشري المتنوع العرق واللسان يركب الخيول المتنوعة العرق ، ويشترك الجميع في هذا النشاط الثقافي كل على طريقته  وكل يلهج بلسانه  أهازيجه الخاصة به ، ويلبس زيه المميز له ، ويسرج خيله على طريقته وأسلوبه ، وبين الجميع ما يجمعهم وهو الانتماء إلى الهوية الوطنية الجامعة . وما قيل عن هذا النشاط الثقافي  ينطبق على كل الأنشطة الثقافية الأخرى  بل ينسحب على كل أنماط العيش من مسكن وملبس ومطعم ومشرب واحتفال وعادة وغير ذلك مما تزخر به الحياة ، وكل ذلك ثراء تزخر به الهوية الوطنية الجامعة ، ويعتبره كل موطن مكسبه دون استئثار بشيء منه دون غيره .

وأكثر من ذلك  قد تمازجت الأعراق  في الماضي البعيد في هذا الوطن الحبيب ، واختلطت  بذلك الدماء والأنساب ، ولا زال هذا دأب المغاربة  إلى أن يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها  حتى أنه لم يعد بوسع أحد  منهم أن يدعي أويزعم  صفاء عرقه ودمه بعد هذا التمازج الذي أغنى و جمع ولم يفرق.

وأخيرا نأمل ألا تسود الدعوات إلى استعلاء أية هوية عرقية أو طائفية أو لغوية على أخرى أو على الهوية الوطنية الجامعة ، وأن يكون التعامل فيما بينها تعامل إقناع لا تعامل إكراه على حد قول الباحث والخبير الموريتاني في شؤون الهويات محمد المختار الشنقيطي .

وسوم: العدد 903