من أغرب المفارقات أن فرنسا المتبجحة بالدفاع عن حقوق الإنسان تستقبل بحفاومة من يذبحها في مصر

لا تقل فضيحة استقبال الإدارة الفرنسية للمنقلب عسكريا وبطريقة دموية على الديمقراطية والشرعية في مصر عن فضيحة الدفاع عن الإساءة إلى مشاعر المسلمين من خلال رسوم كاريكاتورية مستهدفة لشخص النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم .

فلو أن الانقلابي المصري استقبل في بلد حكمه شمولي بنفس الحفاوة التي استقبل بها في فرنسا لما حصلت غرابة المفارقة لطبيعة التقارب بين الأنظمة الشمولية  فيما بينها ،ولكن استقباله في بلد كفرنسا  التي يتبجح نظامها برعاية الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان ،فهنا  تكمن غرابة المفارقة.

ومن فضائح الإعلام الفرنسي الممثل في أعرق صحيفة أن يقبل من الانقلابي المصري تحوير الحوار عن سجل حقوق الإنسان الصارخ في مصر حيث يقبع وراء القضبان عشرات الآلاف من المعارضين السياسيين، فضلا عن حقوقيين  وصحفيين... وشرائح أخرى في ظروف قاسية، ووضعيات مزرية إلى الحديث عما سماه إسلاما سياسيا  أو إرهابا متوهما  واصفا بذلك معارضيه السياسيين  الذين انتزع منهم السلطة الشرعية بالقوة والعنف  دون أن تحاصره  تلك الصحيفة العريقة، وتضطره إلى العودة  إلى موضوع سجل حقوق الإنسان السيء في مصر ، والذي لا يخفى على كل دول المعمور .

وقد قال بعض المعلقين على لقاء الرئيس الفرنسي بالانقلابي المصري أنه عبارة عن تشبث غريق بغريق  كما يقول المثل العربي حيث يروم الرئيس الفرنسي المنهار تلميع صورته أمام الرأي العام الفرنسي والرأي العام العالمي بعدما تورط في حملة مضايقة الجالية المسلمة المقيمة ببلاده لمجرد أنها عبرت عن استيائها من المساس بمشاعرها الدينية عن طريق الرسوم المسيئة إلى شخص النبي صلى الله عليه وسلم في حين يحاول  الانقلابي المهزوز أيضا  طمس معالم سجله الذي ينوء بخروقات فاضحة لحقوق الإنسان المصري إجهازا على الشرعية والديمقراطية، وإعداما للأبرياء  واعتقالا للمعارضين  . ومع أن الغرب ساكت سكوت شيطان أخرس على هذا السجل الطافح سوءا ، فإن صاحبه يحظى لديه بالقبول والترحاب، الشيء الذي يعتبر تشجيعا له على التمادي في استبداده وإجهازه على حقوق الإنسان وحرية التعبير ، وحرية الرأي . وسكوت الغرب على ذلك  إنما أملته مصالحه ،الشيء الذي يجعل الغرب يقدم المصالح على المبادىء مع أنه يتبجح بتلك المبادىء التي منها الديمقراطية، وحقوق الإنسان وحرية التعبير  وحرية الرأي ،وينصب نفسه وصيا عليها ومقاضيا لمن يخل بها إلا أنه مع الانقلابي الدموي ينقضها نقضا، ويسكت على ذلك سكوت الشيطان الأخرس .

ولقد كان من المفروض أن يواجه ديكتاتور مصر من طرف الشعب الفرنسي كما يواجه كل ديكتاتور يحل ببلاده  بالتنديد والرفض، ولكن مع شديد الأسف لم يحصل شيء من ذلك ،كما أنه  كان عليه أن ينكر على إدارته استقباله والتعامل معه من أجل إضفاء المشروعية على فاقد لها.

إن تبريرات الانقلابي أمام الصحافة الفرنسية لاغتصابه السلطة بالقوة  وبهدر الدماء وبالقبضة الحديدية  واهية ، ذلك أن ما يسميه إسلاما سياسيا  أو إرهابا هو عبارة عن معارضة سياسية رافضة لانقلابه على تجربة ديمقراطية رائدة  وغير مسبوقة في مصر بشهادة العالم .

وفي الأخير نقول للإدارة الفرنسية هنيئا لك استقبال المستبد بشعبه ، وهنيئا لك نقض الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان  وحرية التعبير وحرية الرأي ، وهنيئا لك الكيل المزدوج بمكيالين .     

وسوم: العدد 907