غياب المعنى في الشعر: هل انتقل إلى السياسة ؟

عبد الله عيسى السلامة

ربّما كان ذلك عند بعضهم ، لكن بعض الذين يصنعون السياسة ، يعرفون ، جيّداً ، ما يفعلون ! 

ونبدأ بالحديث ، عن شعراء الحداثة : 

شعراء الحداثة لديهم هوس خاصّ ، بتغييب المعنى ، حتى لو أن أحد الأشخاص ، قال لشاعر منهم: أنا عرفت معنى قصيدتك الفلانية ، لطاش صواب الشاعر، واعتقد أنه مخفق، في نظم قصيدته ، أو جاهل في الشعر! أو أنه سيتّهم القائل ، بأنه مدّع كذّاب ، فالقصيدة لايمكن فهمها ، ألبتّة ، في نظر الشاعر، لأنها لا معنى لها ، أو لأن المعنى مغيّب ، تماماً، عن عقول الناس ! وهذا المنهج ليس خاصّاّ بشعراء معيّنين من شعراء الحداثة ، بل هو يشمل أكثرهم !  

وقد ثقف شعراء الحداثة ، منهجهم هذا ، من بعض التقليعات الغربية ، في القرن العشرين!  

وتروى ، هنا ، طرفة عن شاعر غربي ، من روّاد هذه المدرسة ، وهي أنه قال معتدّاً بإحدى قصائده ، مفتخرا ببراعته الشعرية: هذه القصيدة لا يفهمها إلاّ اثنان ، هما :الله وأنا! وسئل بعد شهور، عن قصيدته التي نسي ماقصده فيها ، فقال : هذه القصيدة لا يفهمها ، إلاّ واحد ، هو الله ! 

فهل انتقل هذا المنهج ، إلى السياسة ؟ ربّما ! وأدلّة ذلك كثيرة ، منها : 

   الذين يُقتلون في ساحات الحروب ،عبثاً، دون أن يعرف القاتل فيمَ قَتل، ولا القتيل فيمَ قُتل؛ لأن الأمور، اختلطت فيها المبادئ ، بالمصالح ، بالعقائد الدينية ، بالنزعات الوطنية ، بأوهام القادة الصغار، الحالمين بأن يصبحوا أباطرة .. بالأموال التي يقبضها المرتزقة ، من سائر القوى ، التي تستأجرهم ، بقصد القتل !  

   الذين يُقتلون خارج ساحات الحروب ، وهم مطمئنّون في بيوتهم ، أو وهم يصلّون في مساجدهم ! 

   الجياع ، الذين يموتون جوعاً ، بسبب الحصار الطويل ، الذي يمنع عنهم الطعام والشراب ! 

المرضى ، الذين يهلكون ، بسبب ندرة الدواء ، أو فقدانه .. ولا يعرفون لمَ يُمنع عنهم ، ولا مَن يَمنعه ، ولماذا ! 

قد يَعرف القتلة المجرمون ، الذين يقتلون الناس ، بسائر الأساليب المذكورة .. قد يعرفون، أو يعرف أكثرهم ، أو أكابر مجرميهم .. لمَ يفعلون هذا ، كلّه !  

لكن، هل يستطيع عاقل ، من خارج دائرة المجرمين ، أن يعرف أهداف القتل ، المستمرّ من سنين ؛ لاسيّما إذا عرف أن القتلة والقتلى ، هم : من أصل واحد .. أومن وطن واحد .. أو من أتباع عقيدة دينية واحدة ! 

أفهذه سياسة حداثية ، كالشعر الحداثي ؟ ربّما ! 

وسوم: العدد 910