الخطوط العريضة في نجاحات المشروع الوظيفي الصفوي

زهير سالم*

قال الجدار للمسمار: لم تشقني؟ أجاب : سل من يدقني

لم تنجح الثورة الخمينية في إيران ، إلا بجواز عبور من الراعي الامبريالي العالمي بزعامة الولايات المتحدة، وقادة المشروع الصهيوني مباشرة . فأي ثمن كان لجواز العبور ذاك ؟؟ وأيّ دور أدته إيران الخميني ، ولم تكن لتقدر عليه إيران : رضا شاه بهلوي ؟؟؟؟؟

كان كل المحللين السياسيين الذين يتحدثون عن منطقتنا في ستينات وسبعينات القرن الماضي ، يتحدثون عن دور شاه إيران "رضا بهلوي" كشرطي أمريكا الأول في المنطقة !!

كنت طالبا في الصف الثاني أو الثالث الإعدادي " 1962 - 1963" عندما هُرعت الدول العربية الخليجية وبزعامة الملك فيصل رحمه الله تعالى ، إلى تشكيل ما سمي يومها " الحلف الإسلامي " والذي قام يومها على أنقاض حلف بغداد ، حلف بغداد لم يهدم ، ولكن انحل عقده عمليا بالانقلاب الذي قاده عبد الكريم قاسم في العراق. لا أعرف كثيرا عن الحلف الإسلامي ، فأنا أكتب لكم من ذاكرة فتى كان عمره خمسة عشر عاما، فسامحوه إن كتب كلاما ساذجا ، لا أعرف كثيرا عن الحلف الإسلامي غير ما كان يهدر به إعلام عبد الناصر ، وإعلام البعث في سورية ضد ذلك الحلف في تلك الأيام. وكنت أقرأ على الجدران في غدوي ورواحي إلى مدرستي إعدادية المعري عبارات : يسقط الحلف الإسلامي ... والموت لخونة الحلف الإسلامي .

نعم أنا من جيل تربى على الريبة من جميع تلك الأحلاف، وعشقنا لأمر ما فكرة " الحياد الإيجابي وعدم الانحياز " التي كنا نظنها حقيقة واقعة، وكم هتفنا لمثل مؤتمر "باندونغ " " عبد الناصر - ونهرو - والرئيس الأندونيسي أحمد سوكارنو " ..

ولكن الذريعة التي تحدث عنها المحللون يومها أن قيام الحلف الإسلامي يومها كان خوفا من المد الثوري اليساري التقدمي العربي – هكذا كان يوصف – الذي كان يتزعمه الاتحاد السوفييتي ومن أمامهم قادة الانقلابات من الضباط العرب وأضرابهم. في كل البلدان.

بالعودة إلى الواقع، نعتقد أن مشروع إيران الصفوية قد نجح أيما نجاح على ثلاثة محاور رئيسية :

- المحور الأول: بعث المشروع الطائفي، تعميق الشرخ على مستوى الأمة، والذي ظن قادة الأمة الحقيقيون أنهم تجاوزوه . وأي مراقب عاقل يعود إلى الخطاب الجماهيري والنخبوي الذي كان سائدا في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي ، ليبحث عن جذور أو تمظهرات هذا الخطاب فنظنه لن يحظى بغير القليل ..

لقد كان تمزيق بنية الأمة جغرافيا وديموغرافيا مطلبا استراتيجيا لكل الطامعين فيها ، وفي مقدمتهم الصهيوني الذي عجز في هذا العصر أن يغني بالعبرية أشعار يوم بعاث. ونجحت طهران الولي الفقيه فيه أيما نجاح.

- المحور الثاني : محور الهيمنة والنفوذ ، والقتل والتدمير، عن طرق كثيرة أولها نظرية " الولي الفقيه " نفسها التي جعلت كل شيعي في العالم، مهما كان وطنه وجنسيته، مرتبطا بالولي الفقيه ارتباط ولاء وسمع وطاعة، وآخرها بعمليات الغزو المباشر، والإبادة الجماعية ، والتهجير القسري، وبالطريقة نفسها التي اتبعها العدو الصهيوني في فلسطين غداة النكبة كما في مذابح قبية ودير ياسين .. ولكن على مساحة في الجغرافيا تشمل العراق وسورية ولبنان واليمن . ويشمل في الديمغرافيا 100 مليون إنسان باتوا – إن لم يبايعوا الولي الفقيه – بطريقة من الطرق ، مهددين بالإبادة والقتل والاعتقال والتعذيب والتهجير، وكان هذا انتصارا ثانيا لمشروع الطاغوت الصفوي المتحالف مع قوى الاستكبار العالمي ، وعلى كل الجبهات ..

- وتمثل النجاح الصفوي على المحور الثالث في إشاعة هذا الرعب الذي شلّ كثيرا من الأنظمة العربية ، فلم تجد أمامها ركنا تأوي إليه كما وجدته من قبل في مثل الحلف الإسلامي، وإنما وجدته فيما بتنا نسمع "التحالف الإبراهيمي " ، ونظن أن الولي الفقيه سيستحق على هذا الإنجاز أكبر جائزة من مشغليه. لفهم حقيقة هذا الاندفاع إلى الحضن الصهيوني، نتذكر المثل العربي : قال الجدار للمسمار لم تشقني؟ أجاب : سل مد يدقني ..

وكان المشروع الصفوي هو أول من دق ..هذه خطوط عريضة وكل ما عدا هذا الكلام لعلعة وشقشقة وهذر ...

معادلة اشتقاق المشروع الصفوي من المشروع الصهيوني ، وطبيعة العلاقة التكاملية – التفاضلية بينهما هي معادلة شديدة التعقيد ، متعددة المجاهيل. يصعب إدراكها على الذين تعلموا أن الخط المستقيم هو أقرب مسافة بين نقطتين. وجماعة معانا ..معانا .. وعليهم .. عليهم .. والذي يعشّينا هو راعينا يصعب عليهم استيعاب مثل هذه المعادلات.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 910