أكَلة الحصرم ، بالأمس : مَن يَضرس بَعدهم ، اليوم ؟

عبد الله عيسى السلامة

أكَلة الحصرم ، بالأمس : مَن يَضرس بَعدهم ، اليوم ؟ وأكَلتُه اليوم : مَن يَضرس حولهم ، اليوم .. وبَعدهم ، غداً ؟ 

في المثل الدارج : الآباء يأكلون الحصرم ، والأبناء يَضرسون ! 

وإذا كان أهل سورية يضرسون ، اليوم ، فمَن أكل الحصرم ، من آبائهم وأجدادهم ؟ 

نظرة في تاريخ سورية الحديثة ، بعد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي : 

حَكم سورية ، بعد الاستقلال عن فرنسا ، طبقة تسمّى : طبقة الأكابر .. وهم الأثرياء والمتنفذون في البلاد ! 

وكان بعض هؤلاء ، يتمتّع بلقب بيك ، أو باشا ، أو أفندي .. حسب الألقاب التي كانت سائدة ، في ذلك الحين ! 

وكان الكثيرون من هؤلاء ، يتعفّفون عن المال العامّ ، لأسباب شتى : 

 منها : الحرص على السمعة ، التي كان الكثيرون من أهل البلاد ، يخافون من أن تثلم ، أو تشاب بعيب ، يعيب صاحبها وأسرته ! 

ومنها : عدم الحاجة ؛ إذ كان الكثيرون من هؤلاء الأكابر، يملكون الأراضي والقصور والشركات .. وغيرها ؛ ممّا يجعلهم في كفاية من المال !  

وقد كانت كلمة أكابر، تغري البسطاء من الناس ؛ ولا سيّما النساء ! فكانت الفتاة تخرج من بيتها حاسرة الرأس ، تشبّهاً ببنات الأكابر؛ ذلك أن الكثيرات من بنات الأكابر، كنّ يذهبن إلى الدول الغربية ، وأكثرهن كنّ حاسرات الرؤوس !  

أهمّ شيء لدى الأكابر، هو التهرّب من خدمة العلم ؛ بَلهَ التطوّع في الجيش ! فقد كان هؤلاء الأكابر، الذين يمسكون بأزمّة القرارات في الدولة ، يصدرون قرارات بدفع البدل، عن الخدمة العسكرية ، عن دورات محدّدة ، ولمدد قصيرة .. كي يدفع بعض أبنائهم البدل، ولا يؤدّوا في الجيش خدمة العلم ؛ فضلاً عن العزوف التامّ ، عن التطوّع في الجيش ، برتب ضبّاط ، أو صفّ ضبّاط ! ولو سألتَهم : لمَن تركوا الجيش ؟ لقال قائلهم : تركناه للفقراء والبائسين ، الذين لا تتاح لهم فرص الدراسة الجامعية ! 

وهكذا ؛ امتلأ الجيش بالضبّاط وصفّ الضبّاط ، الذين لا تسمح لهم ظروفهم المالية ، بالدراسة الجامعية ! 

ثمّ توالت الانقلابات العسكرية ، على القيادات السياسية ، حتى آلت الأمور ، إلى ما وصلت إليه سورية ، في عهد الرفاق البعثيين .. ثمّ إلى ما وصلت إليه ، في عهد حافظ أسد ، وابنه بشار ! 

فهل كان الأكابر مخطئين ، في تسليم جيش بلادهم ، لغيرهم ، وهو أقوى قوّة في البلاد ؟  

لسنا بصدد اللوم ؛ فلكل إنسان ظروفه ، وطريقته في حساب قراراته ، وحساب مصلحته.. لكنّا نشير، هنا ، إلى سيرورة التاريخ المعاصر، لسورية الحديثة .. وكلٌّ يحمل مسؤوليته، أمام ربّه ، وأمام شعبه ، عمّا يقول وعمّا يفعل ! ولا نشكّ ، في أن المروءات التي كانت عند أولائك ، تفوق ، بكثير، ماعند الآخرين ، الذين آلت إليهم أمور البلاد، وأمورالناس فيها ؛ هذا ، إن كان لدى الكثيرين ، من هؤلاء الآخرين ، شيء من المروءة ، أصلاً ! 

وسوم: العدد 918