المأزق المصري: من إجابة مارغريت مرورا برشا قنديل إلى الانتقام من أيمن ندا!

سليم عزوز

وكان لا بد من عبد الله السناوي ضيفاً على عمرو أديب!

فقد قصفت رشا قنديل، مذيعة قناة «بي بي سي» جبهة أولي الأمر منهم في القاهرة بسؤال، ربما طرحته ولم تلقي له بالاً، لتكون إجابة ضيفتها في قوة صواريخ أرض جو، وقد قصفت بها ذات الجبهة، لتكون في حكم لاعب الكرة الذي أحرز هدفاً في مرماه!

ولا تنتمي الضيفة إلى المعارضة، فهي نائبة بالبرلمان المصري، الذي صنعه أهل الحكم على أعينهم، واختاروا أعضاؤه «على الفرازة» واحداً واحداً، لا فرق بين معين ومنتخب، وذلك لسد الثغرة التي نفذ منها البعض في البرلمان السابق، ومن شكلوا جبهة صغيرة للوقوف ضد التفريط في «تيران وصنافير» ومن هنا فالنائبة مارغريت عازر، ضيفة برنامج «بلا قيود» هي من أهل البيت، لكنها كانت كالدبة التي قتلت صاحبها، ومن الحب ما قتل!

المقطع الذي انتشر انتشار النار في الهشيم عبر منصات التواصل الاجتماعي، أكد عودة رشا قنديل من إجازتها، لترد الاعتبار لبرنامجها بهذا السؤال، ساعدتها في هذه المهمة الثقيلة، ضيفتها النائبة الكبيرة، وذلك بعد شيوع فيديو سابق لنفس البرنامج، في غيبة رشا، والذين كان بين اثنين من الملالي، الملا الذي ينتمي لحركة طالبان، والملا نوران سلام!

بدا سؤال مذيعة «بي بي سي» رشا لا نوران، عفوياً، وهي تطرح على مارغريت عازر، وكيل لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، سؤالاً عن آخر مرة رأت فيها معارضاً مصرياً على شاشة قناة تلفزيونية مصرية يتحدث في الشأن العام؟ وكانت الإجابة التي لم تبق ولم تذر، أنها شاهدت الليلة الماضية الأديب يوسف القعيد، وهو يقول إنه لا يزال إلى الآن ضد معاهدة السلام مع إسرائيل. فأضحكت بإجابتها البشرية (جمعاء) ففضلا عن أن يوسف القعيد، ليس محسوباً على المعارضة، فإن في إعلان استمرار موقفه الرافض للمعاهدة التي وقعها الرئيس السادات، ليس هو ما قصدته قنديل، أو ما انتظره المشاهد، لأننا منذ عهد مبارك، ونحن نرى أن إعلان العداء لإسرائيل، ورفض اتفاقية كامب ديفيد، هو نضال مجاني، لا يدفع المناضل ثمنه! لا سيما وأن هذا الرفض من قبل يوسف القعيد، لم يتطور ليمثل رفضاً للإجراءات الحالية لعبد الفتاح السيسي، وأن هذا التقارب غير المسبوق مع القادة الإسرائيليين، هو نتاج لهذه المعاهدة!

والحال كذلك، فقد فات مارغريت عازر، أن تعدد حديث المعارضين في المجال العام، فمفتي البلاد، تصرف على أنه من أهل بيزنطة، وهاجم فاتح القسطنطينية الذي انتصر عليهم، لأنه أعتقد أن محمد الفاتح هو ابن خالة رجب طيب أردوغان، وكذلك هجوم يوسف زيدان على قنوات تلفزيونية عدة، ومن بينها قناة عمرو أديب السعودية، على صلاح الدين الأيوبي، لأنه يتصور أن أهل الحكم من سلالة الصليبيين، ففُتح له المجال ليأخذ لهم بالثأر من هذا القائد!

وهي أزمة جماعات الحكم مع التاريخ، وسعيهم المتواصل للبحث عن أصل لسلالتهم، وإن نسينا فلن ننسى كيف أنهم أقاموا الدنيا وأقعدوها ضد السلطان العثماني سليم الأول، لأنه حارب المصريين، وقتل المصري الأصيل الجنرال طومان باي، واندفع أحد الصحافيين الموالين لهم، ليقول إن السيسي هو الزعيم طومان باي، لكنه في هذه المرة هو من سيقتل «سليم الأول» ممثلاً في «أردوغان» لولا أننا لفتنا نظرهم إلى أن مصر لم تكن ممثلة في هذه المعركة، فقد كانت بين العثمانيين والمماليك، فهل أنتم المماليك؟!

حتى لا نظلم مارغريت عازر، فبماذا كان يمكن أن يرد أكثر المنحازين لنظام السيسي لباقة، على هذا السؤال، الذي كان ريحاً صرصراً عاتية، فبدا أهل الحكم صرعى وكأنهم أعجاز نخل خاوية؟!

فالحاكم العسكري كمم الأفواه، وأغلق القنوات التلفزيونية على المؤيدين له، والمشيدين بإنجازاته، والذين يسبحون بحمده قبل طلوع الشمس وادبار السجود، وهو لا يتحمل نصف لسان، أو ربع قلم. ولأن سؤال رشا قنديل واجابة مارغريت عازر، أضحكا الثقلين، فعليه فقد كان لا بد من الرد باستضافة الصحافي المعروف عبد الله السناوي، والذي بدا مدركاً للدوافع من وراء دعوته، رغم محاولة تقديم عمرو أديب لمبرر متهافت لذلك، بدا به، وكأنه مكشوف للمارة، وعجز عن ستر العورات التي تبدت للناظرين بطرف ثيابه!

تطرق السناوي للسؤال والإجابة في برنامج «بلا قيود» وإن وصف قناة «بي بي سي» بالدولية دون ذكر اسمها، وعلق عمرو بأن الـ»سوشيال ميديا» مجال مفتوح للمعارضين، فلماذا التركيز على القنوات التلفزيونية؟ وقال عبد الله إنه المقصود هو المجال الذي تمنحه الدولة.

وتطرق السناوي في كلامه، إلى الحبس الاحتياطي الذي صار مصيدة للنشطاء، مع تأكيده أنهم إذا خرجوا لن يمثلوا أزمة للنظام، وهذا صحيح، لكن فاته أن الاعتقال في جانب منه، هو لدوافع شريرة لأجهزة وأفراد في السلطة، حيث ينتقمون لدوافع شخصية، من كل من له علاقة بثورة يناير، وإن تحول إلى سيساوي، وهم يستغلون حالة الخوف لدى السيسي، والتي أبداها من قبل؛ من أن فتح المجال العام في نهاية عهد مبارك كان سبباً في ثورة يناير!

إنه لقاء لن يتكرر كثيراً، لأنه جاء ذرا للرماد في العيون، لقد هزمتهم مارغريت عازر، وصار السيسي لا يعرف من أين تأتيه الضربة!

شكراً مارغريت، والشكر موصول لرشا قنديل، فيثاب المرء رغم أنفه!

الرجل الذي روع مؤسسات الدولة:

أرادوا إذلال أيمن منصور ندا، رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام جامعة القاهرة، ففضح النظام نفسه!

لقد نشروا صورته، مرة بالقيد الحديدي، ومرة وهو جالس في صورة مزرية على السلالم، في انتظار العرض على النيابة أو الترحيل للسجن مع المجرمين، وكانت صورته بعد أربعة أيام من الحبس، وقبل التجديد له لخمسة عشر يوماً؟! فمن يملك السلطة للتصوير في هذه الأماكن؟!

تعمد الإذلال ذكرني بمشهد رأيته مع رجل الأعمال حسام أبو الفتوح، عندما حرصت القوة المصاحبة له على أن يسيروا به على قدميه، لمسافة طويلة نسبياً، ومن دار القضاء العالي إلى منتصف شارع عبد الخالق ثروت، لأن سيارة الترحيلات تقف هناك على غير العادة، وجرت العادة على أن ترابط في كراج دار القضاء، لكنهم تعمدوا أن يسير على قدميه كل هذه المسافة، والقيد الحديدي في يده وهو بملابس الحبس الاحتياطي.

وكانت الصورة تعزز ما استقر لدى الناس، من أنه يجري التنكيل بحسام أبو الفتوح، لأمور ليست مرتبطة أبداً بمخالفة القانون، وقد خالفه، لكنها الأنظمة البدائية التي يفتقر انتقامها للحبكة، لأن شهوة الانتقام لها الغلبة، فتنصر الضحية وتكرمه، وكذلك فعلت مع أستاذ الإعلام!

لقد تلقف الرأي العام المعارض الصور وقام بنشرها على نطاق واسع، لتأكيد الروح الانتقامية لدى سلطة الحكم، حتى وإن كان المستهدف سبق له أن كتب حتى الملل عن ثقته في النظام، وانتمائه له، وتقديمه على أنه «خضرة الشريفة» وهؤلاء سواء في الإعلام، أو في جامعة القاهرة، ليسوا على مستوى شرفه.

جديد في (الكار) الدكتور ندا، فلم يتعلم من تجربة المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي كشف الفساد وبالغ في إعلان الانحياز لسلطة الأمر الواقع!

ولأنه جديد في (الكار) فلم يعرف إن الإعلام ليس هو من وصفهم بـ «البغال» لكن من يدير حظيرة البغال، وأن «الخشت» رئيس جامعة القاهرة، ليس الفرد، لكن من ينفخ فيه من روحه، ويؤهله لأن يكون وزيراً!

ليس لي سابق معرفة بالدكتور ندا، ولم أطالع مقالات له قبل مقالاته عن الإعلام، ولا أعرف إن كانت الكتابة صنعته أم لا؟ لكن بدا لي في اندفاعه أنه يفتقد للخبرة وللثقافة القانونية، فكتبت هنا أحذره من أنه يمكن اصطياده بمخالفة القانون، ولم أكن أتصور أن الانتقام سيكون بعيداً عن القانون، لأن الرغبة في الانتقام، غلبت على القوم، فكان اتهامه بترويع مؤسسات الدولة، فانتصر ضحيتهم وهزموا.

إنهم كالذي أراد أن يغيظ زوجته فخصى نفسه!

وسوم: العدد 949