أولادنا ... والنجاة من فساد العصر

إيمان قاسم

للأولاد حق على آبائهم وأمهاتهم في تربية صالحة ، وحياة قويمة ، تنجيهم من غمرات هذا العصر ، من مفاسده وإغراءاته ، وعدم وجود برامج عامة للتربية ، تشرف عليها الدول أو المؤسسات ذات الأثر الإيجابي في التربية الصحيحة . إن مفاسد العصور الغابرة تتلخص في دائرة الشرك والكفر بالله سبحانه وتعالى ، إضافة إلى تعاطي الخمور والقمار وأنواع من اللهو تبقى محدودة ، فيما لو نظرنا إلى اتساعها في دائرة المجتمع . أما في عصرنا هذا فالقابض على دينه ، والمميز بأخلاقه وأدبه ، والصالح في مجتمعه ... فإنما هو قابض على الجمر . فالعمل الصالح ، وحفظ النفس من نزواتها ومن وسوسة شياطين الإنس والجن ، والاستقامة على مناهج القيم العالية والأخلاق الفاضلة ، لاينال وسامها إلا أولو العزيمة والحكمة والإيمان بما جاء به الوحي من عند الله .  فالمفاسد العصرية ، ووسائل الانحراف والتبار  لها من قوة التأثير  مالا يستطيع الإنسان وصفه . فوسائل هذه المفاسد متنوعة وسهلة الاستعمال . منذ خمسين سنة ــ وعلى سبيل المثال ــ كانت السينما في بناء ، والدخول إليها له مواعيد ، وقد كان المطر ــ مثلا ــ لايشجع بعض الناس للذهاب إلى السينما ، أما في هذه الأيام ففي جيب كل ذكر وأنثى وكل كبير وصغير ... سينما يتفرج من خلالها على أخس المفاسد وأشنع المناظر التي تقشعر من رؤيتها الأبدان ، فالعري والفجور والوقاحة والأغاني والمجون ، أقصد جميع المنكرات واللاأخلاقيات  التي تهدم أركان المجتمعات ، وتضعف حيوية الشباب الذين ترجو الأمة خيرَهم المستقبلي . فالمخدرات ، وما تنتجه المسلسلات والأفلام ، وما يُطبخ في محافل الشر لهذه الأمة ... لها سوقها الرائج وتجارتها الرابحة ، ونتائجها التي ما عادت تخفى على أحد .

هنا تأتي المسؤولية المترتبة على الوالدين بالنسبة لأبنائهما ، وهذع المسؤولية جاءت بأمر رباني يقول المولى تبارك وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، الآية واضحة لايخفى توجيهها على متعلم ولا على أميٍّ . فالأمر جد ، والمصير المحتوم ... نار جهنم . كما ورد ثقل هذه المسؤولية في هَدي نبينا صلى الله عليه وسلم تأكيدا ملحا على تلك  المسؤولية على الرجل والمرأة في بيان نبوي كريم : (كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، الإمامُ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ راعٍ في أهْلِهِ وهو مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِها ومَسْئُولَةٌ عن رَعِيَّتِها، والخادِمُ راعٍ في مالِ سَيِّدِهِ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ قالَ: ـــ وحَسِبْتُ أنْ قدْ قالَ - والرَّجُلُ راعٍ في مالِ أبِيهِ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، وكُلُّكُمْ راعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ)، وهناك الكثير والعديد من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تعلم وترشد الأب والأم ــ بالدرجة الأولى ــ إلى سبل التربية العالية ، والتي فيها نوع من التشجيع على التربية الصالح ، قال صلى الله عليه وسلم: (لئنْ يُؤَدِّبَ أحدُكم ولدَه خيرٌ مِن أنْ يَتَصدَّق بصاع ) ، وفي حديث آخـر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما نَحَلَ والدٌ ولدًا مِن نحلٍ أفضلَ مِن أدَبٍ حَسَن ) . وفي حديث آخر : (مُروا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سَبعِ سنينَ، واضْرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشْرٍ، وفَرِّقوا بينَهم في المضاجِع) . والنتيجة لمن أطاع الله ورسوله السعادة في الدنيا والآخرة ، وراحة البال والسلامة من مفاسد هذا العصر التي تنذر بخطر داهم على البشرية .

إن إنقاذ فلذات أكبادنا من مفاسد العصر هو نجاة لهم من سقطات الموبقات ، ومن الانحرافات القاتلات ، وهو الفوز الذي أعده الله لهم يوم لاينفع مال ولا بنون ، والإنقاذ من المفاسد يعني الدخول في حقول المآثر ، فتجد الجيل على جانب من الإيمان بالله ، تقوده الهداية إلى فضائل الأعمال ، وتلبسه أثواب الإخلاص والإيثار والعفة  والسمو ، ويزاول متطلبات حياته على بصيرة ، وتجد في نفسه حب الخير  ، والتحلي بالعديد من المزايا العاليات . هكذا يجب أن يكون أبناؤُنا وبناتنا ، ومن قبل هكذا يجب أن يكون الأب والأم ، وبهذا يكون المجتمع الصالح الذي يحبه الله ويرعاه ويسدد خُطاه .

نسأل الله العلي القدير أن يهدينا إلى سواء السبيل ، ويهيئ لنا أسباب إعادة مجد الآباء والأجداد ، فالهدف سامٍ ، والحمل ثقيل ، والعاقبة تستصرخ ضمائرنا أن نعي ماهي النتيجة إذا أضعنا المفاتيح .

وسوم: العدد 954