بين الاختلاف في الرؤية، والاختلاف في الموقف، أي فرق؟؟؟؟

زهير سالم*

ولو سألتني أن أفرز الناس في سورية فرزا عريضا عصريا على الطريقة الثنائية، لقلت السوريون منقسمون في الاعتبار الأعم في هذه الأيام إلى فريقين...

فريق يرى أن في سورية المقبلة يجب أن تكون " كلمة الله" المتمثلة في كتابه وسنة نبيه، هي العليا، تحكم كل شيء وتتحكم فيه من خلال اجتهاد بشري متجدد ..

وفريق يرى أن الإنسان بكل ما توصل به بعلمه وفكره وثقافته أصبح مستغنيا عن "شرائع" الله. يؤمن هذا الفريق كما أعلن نيتشة "أن الله قد مات" تعالى الله، وأن البشر بما لديهم من علم وحكمة وحسن تدبير قادرون أن يأتوا بتشريع أحسن مما أنزل الله ..

هاتان هما الرؤيتان الأعم ، ووراء القائلين بالرؤيتين الكثير من التفصيل، والأقاويل ، وقد يغضب بعض مما وصفت، وقد يراوغ آخرون ، ولكن الخلاف الجوهري هو في هذا ؛ ثم يختلف الناس مللا ونحلا وطوائف وشيعا وأحزابا...وكل تلك الاختلافات متحدة على المحورين فيما وصفت. ..

وعلى مستوى أصحاب الرؤية الأولى ..

تسأل كثيرا من السوريين أسئلة مثل:

هل تريد أن تكون في سورية كلمة الله هي العليا؟ فيجيبك نعم ..

تسأله : هل تريد أن تكون شريعة الإسلام هي المرجع والموئل في حياة السوريين ؟ فيقول لك نعم ..

تسأله: هل تريد أن يعم في سورية العدل والحرية والأمن والأمان والسلام؟ فيقول لك نعم ..

تسأله: هل تريد في سورية شرا لمخالف، وظلما لأصحاب معتقد، ونبذا لإنسان، واستعلاء على الناس، والتجبر عليهم؟ فيقول لك: لا وألف لا ..

ولو أكثرت الأسئلة لطال بي التمثيل، ولكن المنضمين تحت لواء هذا الموقف من السوريين، كثير بل هم الأكثر ، ولذلكم يحاربهم العالم ويخاف منهم..

 وبعد هذا الإجمال سأعيد طرح الأسئلة على الشريحة نفسها..

عن مفاهيمهم وتصوراتهم لما سميناه "كلمة الله": و"شريعة الإسلام" وكلنا يحفظ "شريعة الإسلام للإصلاح عنوان" وعن مدى توافق هذه الشريحة عينها على طرق الإنجاز ، ووسائله، وعن توثيق الشخصيات، والجماعات والأحزاب والمنتديات القائمة عليه...

وسنجد بعد الاتفاقات على الرؤية الأولية، اختلافا حول المواقف كبيرا وكثيرا ، حتى يقال اتسعت الهوة، فيحسب الواحد من أولياء الفريق الواحد، صديقا عدوه ، وعدوا صديقه...

وها هنا العبرة من المقال، أن يدرك أصحاب الرؤية الواحدة، أنهم فريق واحد. وأن يكفوا عن التطاحن والتنابذ والتقاذف والتنافس، ومبعث كل ذلك كبر والكبر "بطر الحق" وغمط الناس. وأنا في الميدان مع الناس منذ خمسين سنة، وأعرف أناسا ردوا عليّ أكثر مما ردوا على حافظ وبشار الأسد، وأعطيهم ظهري وأقول الحمد لله...

 دائما يجب أن نرى أن ترشيد مفاصل الرؤية، يستتبع توحيد الموقف، أو تضييق الهوة، أو ربما تجسيرها، أو ربما ردمها إلى الأبد ... هنا تقف أمام إعجاز (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ..) وحدة العقيدة إن لم تستتبع وحدة القلوب والموقف...!!

وكلما قال أحدنا أنا !!!! خطت "أناه" فجوات بينه وبين الآخرين ...ندائي الدائم لأصحاب الرؤية الواحدة استشعروا ما يجمعكم ، وركزوا عليه ، وتذكروا بعد البعيد عنكم ، تستشعروا قربكم من بعضكم..!!

وأعلم أن في الآخرين قوما سيقولون : أنت تلزمنا بما لا يلزمنا...وأقول لهم ولأقوالكم لازم لستم أنتم به متحكمون ..وأسوء ما مر بي من منطق المتهافتين: عبد يريد أن يرسم لمولاه دائرة الوجود، ويملي عليه لوائح الاختصاص، السماء لك، والأرض لهم فيما يزعمون ...تلك إذن قسمة ضيزى.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 954