التعايش لا معنى له إذا كان من طرف واحد أو أحاديا

استوقفني عنوان مقال منشور على موقع هسبريس ، وهو كالآتي :

" ميمونة طقس مغربي أصيل يعكس التعايش بين اليهود والمسلمين "

وهو لصاحبه المدعو عبد السلام الشامخ . وبعد قراءتي للمقال وجدت صاحبه  يتحدث عن ماضي التعايش  بين المغاربة يهودا ومسلمين ، وهو أمر معروف لدى الرأي العام الوطني ، ولا حاجة إلى كل هذا الإلحاح على ذكره خصوصا وأن المسلمين المغاربة  كانوا ولا زالوا متعايشين مع  اليهود المغاربة  إلى يومنا هذا لأن الإسلام دين رحمة ورأفة بالناس  جميعا على اختلاف مللهم ونحلهم  بمن فيهم أهل الكتاب يهود ونصارى ، ومن تعاليمه نهلوا  ثقافة التعايش مع من يختلفون معهم في الملة والدين  .

وليس هذا هو أول مقال ينشر على هذا الموقع ، ولن يكون الأخير الذي تحدث بإلحاح عن ترديد  الكلام بخصوص قضية التعايش ،علما بأن لفظة تعايش بهذه الصيغة الصرفية " تفاعل " تفيد معنى المشاركة أو التشارك ، وهو ما يعني اشتراك اليهود والمسلمين في المغرب في هذا التعايش المتبادل فيما بينهم بنفس الدرجة وبنفس القدر إلا أن واقع الحال وبالنظر إلى ما يقع حاليا في القدس وفي المسجد الأقصى  يجعل هذا التعايش مختلا ، ذلك أن المغاربة المسلمين يقدمون أدلة  ملموسة  على التزامهم بالتعايش مع اليهود المنصوص عليه شرعا في كتاب الله عز وجل ، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا أن الطرف الآخر ينقض هذا التعايش بالممارسات اللإنسانية والعنصرية والعدائية ضد المسلمين في أرض فلسطين المسلمة المحتلة .

 وهنا قد يقول قائل إن التعايش المقصود في هذا المقال وما شابهه من مقالات أخرى تنشر بين الحين والآخر على موقع هسبريس وغيره ، هو تعايش بين اليهود المغاربة والمسلمين المغاربة فحسب ، وأنه لا يتعلق باليهود والمسلمين في فلسطين ، ونقول لمثل هذا القائل أليس من اليهود المغاربة من هم على صلة بأرض فلسطين ، وقد ترك بعضهم المغرب برغبة منه سواء سنة 1948 أو سنة 1967 ولمّا يجبرهم المسلمون المغاربة على الهجرة إلى أرض فلسطين ، وإنما هاجروا إليها استجابة لقادتهم الذين احتلوها ، ونكلوا بشعبها  وشردوه ، وهم أيضا ممن أنزلوهم في منازلهم بعد طردهم منها  ، ولا زالوا على تلك الحال إلى يومنا هذا ؟ فأي تعايش عبر عنه اليهود المغاربة مع المسلمين في فلسطين مقابل ما يبديه المسلمون المغاربة لهم  من تعايش في المغرب ؟ ، وفيهم من تولوا مناصب عليا في كيانهم المحتل ،ولكنهم  لا يؤمنون بشيء اسمه التعايش  مع المسلمين في فلسطين .

إن تعايش المغاربة المسلمين مع اليهود المغاربة قناعة دينية ، فهل توجد مثل هذه القناعة لدى اليهود المغاربة ممن لازالوا يرتبطون بالكيان المحتل ، ومنهم من خدم أو يخدم في صفوف جيشه أوشرطته ، أومختلف أجهزته ، وهم يتحملون ما يتعرض له المسلمون الفلسطينيون في الحرم القدسي من إهانة  في شهر رمضان الأبرك . فهل بارك اليهود وتحديدا المغاربة منهم شهر الصيام للمسلمين في فلسطين ، وفيهم مغاربة مسلمون منهم من يعيشون هناك ويحملون الجنسية الفلسطينية  لكنهم يتعرضون لما يتعرض له المسلمون الفلسطينيون؟ وهل تقابل تهنئة المغاربة المسلمين لليهود المغاربة  بما يسمونه " ميمونة " تهنئة مثلها بشهر رمضان  في أرض فلسطين ؟. ولماذا لا يطالعنا الإعلام بيهود مغاربة يحتشدون في باحة الأقصى للتعبير عن استنكارهم لما يتعرض له المسلمون في فلسطين من عدوان في شهر عبادتهم ، وذلك كرد جميل على التعايش الذي يستفيدون منه في المغرب المسلم؟

إن التعايش من طرف واحد يكون أعرج ،  ولا معنى له ، ولا يستقيم ، ولا يمكن أن يكون  منحصرا في أرض المغرب، ذلك أن اليهود المغاربة يلزمهم التعايش مع المسلمين في كل بقاع العالم الإسلامي بما في ذلك أرض فلسطين ليكون التعايش عندهم مبدأ يحترمونه حيثما وجدوا كما يحترمه المغاربة المسلمون وكل المسلمين في كل بقاع.

والمسلمون في كل العالم بلسان مقالهم وحالهم يعتبرون التعايش مع اليهود ومع غير اليهود مسؤولية دينية  مفروضة عليهم ومنصوص عليها في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهل للطرف الآخر نفس القناعة ، وهل لها وجود في دينه ؟

إن حال التعايش من طرف واحد يذكرنا بحكاية النسر الذي التقط سنورا ، وقد ظنه أرنبا ، فلما طار به عاليا وقد تشبث السنور وأنشب فيه  مخالبه مخافة السقوط أرضا طلبت منه  رفقة النسور الطائرة قربه  في الفضاء أن يتخلص منه فشرع يقول لها أما أنا فقد خلصت مخالبي  منه، فاطلبوا منه هو أن  يخلصني من مخالبه ، ونحن نقول مثل ذلك  لمن يحثنا على التعايش مع اليهود : إننا متعايشون معهم  عن قناعة ومبدإ ، فاطلبوا منهم هم التعايش معنا بنفس النية وبنفس الوتيرة هنا في المغرب ، وهناك في فلسطين أيضا ومع كل المسلمين حيثما وجدوا.

ولا يشككنّ أحد في إيماننا بشرعية التعايش مع غير المسلمين ، ولا يشككن ّ أيضا  في  وطنيتنا ، ولا في إيماننا الراسخ بوحدتنا الترابية  ، ولا يزايدنّ علينا  أحد في الوطنية ، فالصحراء مغربية رغم أنف العالم بأسره لأن شرعيتها أو مشروعيتها لا غبار عليها ، ولا ريب فيها ، وكفى بروابط البيعة شاهدا تاريخيا لا ترد شهادته لا بمكن الطعن فيها بحال من الأحوال ، ولا يقايضنّ أحد  بشيء قضيتنا الوطنية ، ووحدتنا الترابية ، وقد سالت من أجلها دماء طاهرة لشهداء رحمة الله عليهم .

وسوم: العدد 978