آل الوحش والصراع الدامي في سورية 1

محمد فاروق الإمام

الحلقة الأولى

أصول آل الوحش الغامضة

في أواخر القرن التاسع عشر “نزل مصارع تركي مجهول الهوية قرية (القرداحة) وراح يصدح صوته متحدياً الناس فيها فتجمهر القرويون للمشاهدة والتمتع ولكنهم ما لبثوا أن أخذوا يتأوهون لمشاهدة أقرانهم يتساقطون واحداً تلو الآخر بين يدي هذا المصارع، وفجأة برز إليه رجل قوي البنية في الأربعينيات من عمره، وأمسك به من وسطه ورفعه في الهواء ثم طرحه أرضا، فصاح القرويون: يا له من وحش! إنه وحش!! وكان اسم هذا البطل سليمان ولكنه منذ ذلك الحين أصبح يعرف بـ سليمان الوحش”.

هكذا اختصر لنا باتريك سيل نسب عائلة “الأسد” التي ظهرت بعد هذه القصة وكان بطلها سليمان الوحش جدّ حافظ علي الأسد حاكم سورية السابق ووالد مجرم الحرب بشار الأسد. كان هذا في كتاب “الصراع على الشرق الأوسط” للكاتب البريطاني المقرب من عائلة الأسد. ولكن ماذا قبل سليمان الوحش يا ترى؟ أين كان يقطن وما هو موطنه؟ وبماذا كان يكنّى قبل ذلك ومن هو والده؟ أهكذا العرب تعدد أنسابها!! ولمن… لعشيرة حاكمة!!

لقد تعددت المعلومات حول حقيقة أصول عائلة الأسد فكان منها أن أصل هذه العائلة من أصفهان ثم انحدرت إلى كيليكية وانتهت بمجيئ سليمان إلى القرداحة واستقراره بها، ومنها ما تشير إلى أن سليمان يدعى بسليمان البهرزي نسبة لمدينته “بهرز” وهي منطقة عراقية تتبع إدارياً لمحافظة ديالي شرق العراق وأنه من أصل يهودي وتم زرعه بين الطائفة العلوية لتهيئة عائلته للحكم والسيطرة على سورية، وغيرها الكثير من المعلومات المتضاربة والتي لا تسند إلى دعائم وركائز موضوعية حول هذا الأمر ولكن تضارب المعلومات يؤكد على الشكوك الكثيرة فيما يخص أصول هذه العائلة.

يزعم باترك سيل أن عائلة علي سليمان تترأس عشيرة (العيلة) الفرعية من قبيلة (الكلبية)، بينما يقول (فان دام) أنهم فرع من عشيرة المتاورة، وهو مركز متواضع ولكنه حقيقي، كما يرى باحثين آخرين، بينما يقول دانيال لوغاك في كتابه (سورية الجنرال الأسد) عن انتماءات حافظ العائلية:

“كان حافظ الأسد ابناً لأحد صغار الأعيان في القرداحة، وكان ينتمي إلى عائلة ذات نفوذ كبير، من قبيلة (الكلبية) التي كانت تسكن منطقة الجبال الساحلية. وكان جده سليمان علي قد عمل في خدمة عائلات ثرية من السنة والمسيحيين الذين كانوا يريدون السيطرة على المزارعين العلويين، بينما كان والده (علي الأسد) مزارعاً يحظى بالاحترام في قريته، ومعروفاً بشجاعته وقوة شخصيته”.

وهنا لابد لنا من الاستشهاد بما قالته الأستاذة سلمى الخيّر ابنة الشيخ عبد الرحمن الخيّر- كبير مشايخ الطائفة النصيرية (العلوية)- للدكتور محمود الدغيم عندما كانت مدرّسة (فلسفة) في دار المعلمين بالجزائر أن “حافظ علي الأسد ليس من أهل القرداحة، وإنما جاء جده إليها وقد سكن في البداية عند مدخلها اي خارج القرية، وقد أطلق عليهم لقب بيت (الحسنة) أي الصدقة، لأن أهل القرية كانوا يتصدقون عليهم بسبب تدني ظروفهم المعيشية… فقد كانوا فقراء ولم تكن لديهم أية أملاك في القرية، إلا أنه وأولاده كانوا أشداء في أجسامهم فأطلق عليهم أيضاً لقب (الوحش) ومع وجود الانتداب الفرنسي في سورية قد تم تسميتهم من قبلهم بعائلة (الأسد) وقام مجلس الطائفة بتعميم لقبهم هذا في القرية وباتوا يعرفون بعائلة الأسد”.

تمثل هذه الشهادة إحدى شروط الطرق الرئيسية في تأصيل الأنساب فآل الخيّر هم من كبار ‏عائلات الطائفة النصيرية (العلوية) الدينية وأحد أهم أعضاء مجلس الطائفة وبالتالي هم من ‏الوجهاء المعروفين والمحيطين بالظروف المادية والموضوعية لـ “بني الأسد” وهذه المعلومات التي ‏قدمتها الأستاذة سلمى تتقاطع في العديد من الظروف التي بيّنها (باتريك سيل) فيما يخص اللقب ‏بغض النظر عما إذا كان سببه قصة المصارع التركي، أم القوة البدنية، فكلاهما يعبران عن نتيجة ‏واحدة… إلا أن الأهم في كلام الخيّر أنه لم يكن لـ “بني الأسد” أية أملاك في القرية، وهذا الأمر ‏يشكل نتيجة منطقية، لمسألة قدوم (سليمان الوحش) للقرية، وأنه ليس من أبنائها.. فحتى الفقراء ‏نجد لديهم أملاكاً، تعود لآبائهم وأجدادهم في مناطق النشأة الأولى.

المجلس الملي للطائفة العلوية

آل الوحش لا ارتباط لهم ولا انتماء إلى سورية

ومما سبق يتبين لنا بأن عشيرة “بنو الأسد” لا تعود أصولها لمناطق الطائفة النصيرية (العلوية) وربما لا تنتمي لأي منطقة سورية، والذي يؤكد هذه الشكوك هو التجنب الدائم في الحديث عن أصول عائلة الأسد من قبل أطراف النظام السوري مجتمعة حتى يومنا هذا، فضلا عن أن هذه المهمة تركت لباحثين أجانب كباترك سيل وفان دام ودانيال لوغاك، وسواهم ممن كتبوا عن صعود الأسد لحكم سورية، في لعبة الصراع السياسي والعسكري والطائفي.

والحقيقة إن ما يهمنا كشعب سوري، ليس معرفة الموطن الأصلي لعائلة الأسد من أجل التغني به أو لعنه، بقدر ما يهمنا معرفة حقيقة مفادها: أن هذه العشيرة التي حكمت سورية باسم الطائفة النصيرية (العلوية) هي في حقيقة الأمر لا تمت لها بصلة، ولا حتى للشعب السوري بأسره؛ إلا أنه وللأسف الشديد فإن غالبية الطائفة النصيرية لم تعِ هذا الأمر، وعلى الرغم من انكشافه بشكل جلي منذ قيام الثورة السورية عام 2011م، حيث أدى اصطفاف القسم الأكبر من الطائفة وراء هذه العائلة المجهولة الأصول والنسب، إلى التصاق سمة القتل والتدمير باسم هذه الطائفة، وهذا ما سعى له (بنو الأسد) ومن كان من خلفهم دعماً وتأصيلاً.

حافظ الأسد يطلق رصاصة الرحمة على حزب العث وينهي أي دور له في حكم سورية

بعد هزيمة حزيران 1967م، طُرحت بإلحاح قضية محاكمة الضباط الذين يتحملون مسؤولية هذه ‏الهزيمة العسكرية، وكان في مقدمتهم وزير الدفاع حافظ الأسد، الذي أصدر قراراً بسقوط القنيطرة ‏عاصمة الجولان قبل دخولها من قبل القوات الصهيونية، وإصداره أمراً للقوات المسلحة بالانسحاب ‏الكيفي من الجولان (موقف حافظ الأسد هذا يذكرنا بموقف حسني الزعيم الذي قاد أول انقلاب ‏عسكري في سورية عام 1949م عندما أحس أنه سيتعرض للمساءلة القانونية تجاه الفساد التمويني ‏وصفقات الأسلحة القديمة والمستهلكة التي أبرمها، فقام بتنفيذ انقلابه، وهذا ما حصل بالفعل مع ‏حافظ الأسد عندما أحس أنه سيتعرض للمساءلة عن هذه الهزيمة وسيدان على نتائجها المأساوية ‏فسارع وقام بحركته الانقلابية على رفاقه).‏

وقد أدت هذه القضية إلى ظهور تيارين كبيرين يمثلهما كل من وزير الدفاع حافظ الأسد والأمين ‏المساعد للحزب صلاح جديد.

الشركاء المتصارعون

الأول يحمل لواء الدفاع عن وحدة الجيش والدفاع عن الضباط المتهمين بالإهمال في تحمل ‏مسؤولياتهم. وقاد الأسد في وجه المعارضين والمهاجمين للجيش، حركة واسعة بين صفوف ‏العسكريين.

الاتجاه الثاني يقوده اللواء صلاح جديد، وكان يستمد قوته الأساسية من تأييد الحزب له ومنظماته ‏النقابية.

وهكذا فإن الصراعات الداخلية بين هذين التيارين طوال مدة أكثر من ثلاث سنوات تحولت بسرعة ‏إلى صراع صريح وعلني بين الجيش والحزب.

فحافظ الأسد كوزير للدفاع استطاع أن يكسب إلى جانبه تأييد معظم الوحدات العسكرية، في حين أن ‏صلاح جديد قد ثبّت مواقعه في الحزب ومنظماته الجماهيرية. وقد انفجرت الحرب بين هذين ‏الاتجاهين المحددين على هذه الصورة، ولكن في حقيقة الأمر فإن الخلاف بين الشخصين ليس في بسط حكم العلويين لسورية، بل في طريقة حكم العلويين، فبينما كان صلاح جديد يرى أن يكون حكم الطائفة من وراء الستار ويقوم على إيجاد رئيس مسلم سني يكون ألعوبة بيدهم كحال أمين الحافظ، في حين يرى حافظ الأسد أن الأمر يجب أن يكون واضحاً بيد العلويين وأن يكون شخص الرئيس علوياً، ولا مانع أن يدعي الانتماء لأحد مذاهب السنة الأربعة كما فعل حافظ الآسد بعد استلامه الحكم.

وفي المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي لحزب البعث الذي عقد في دمشق في أوائل تشرين الثاني ‏‏1970م، اتخذ أعضاء المؤتمر المذكور جانب الأمين العام المساعد، وأيدوا بشكل إجماعي قراراً ‏بفصل كل من وزير الدفاع حافظ الأسد، ورئيس أركان الجيش مصطفى طلاس، وقائد العمليات ‏العسكرية عبد الغني إبراهيم، وقائد سلاح الطيران ناجي جميل.

ولم تتأخر ردة الفعل عند حافظ الأسد، الذي يعد العدة لحركته، فقد قام في 16 من الشهر نفسه، ‏يدعمه أنصاره العسكريون، بحركته ضد الحزب وضد تيار صلاح جديد. وأطلق على حركته اسم ‏‏(الحركة التصحيحية). وهكذا أصبح الحزب بكل تنظيماته وقياداته على مختلف المستويات تتبع ‏القيادة الجديدة، حيث تم اعتقال عدد كبير من خصوم الحركة، في حين فرَّ عدد آخر إلى خارج ‏سورية، ولتصبح سورية التاريخ والحضارة والمدنية والحرية والديمقراطية مسرحاً دموياً لآل الوحش، وإلى يومنا هذا.

المصدر

*أورينت-1/9/2014

*جريدة المناضل-عدد94شباط1977

*باترك سيل-الصراع على سورية

وسوم: العدد 983