أحمد النجدي ليس «خُط الصعيد»… متى يعتقلون سيبويه؟!

سليم عزوز

خبر في “شريط الأخبار” في «الجزيرة»، كان سبباً في تذكرني لواقعة عمرها يتجاوز العشرين عاماً!

أما الخبر فهو يخص الصحافي في قناة «الجزيرة» مباشر أحمد النجدي المعتقل في مصر، حيث يفيد أن أسرته ممنوعة من زيارته، ولعله الخبر الثاني عنه في الآونة الأخيرة بعد التجديد الروتيني بالحبس، وهو الاختفاء، حيث جرى نقله من سجن إلى سجن دون اخطار أسرته بذلك!

وما تذكرته بعد قراءة الخبر الأخير، هي واقعة حبس رسام كاريكاتير في جريدة “الشعب” المصرية، في القضية الخاصة بالحملة على يوسف والي، نائب رئيس الوزراء، ووزير الزراعة، والأمين العام للحزب الوطني، وكان من بين الذين شملهم الحبس خمسة من الزملاء في الجريدة، بقيادة رئيس تحريرها مجدي أحمد حسين. وجريمة الرسام، إن رسوماته نشرت ذات عدد في الصفحة نفسها التي نشرت فيها حلقة من حلقات الحملة على الوزير، ولم يشفع له ما ساقه دفاعه بأن فكرة الكاريكاتير، لا شأن لها بالواقعة موضوع القضية، فقد شمله الحكم بالسجن، حتى لا يفوته ثواب الجماعة!

وكم تندرنا بما جرى للرسام، الذي يبدو أنه لم يكن محظوظاً، فضاع في الرجلين، وراح ضحية قاض لم يهتم، ودفاع لم يركز كثيراً على الموضوع، اعتقاداً منه بأن أمره لا يحتاج إلى الكثير من التركيز، فهم أمام محكمة الجنايات، وليست محكمة جزئية من صغار القضاة، المعينين حديثا!

ولأني كنت حينئذ أكتب زاوية يومية، فقد كتبت كثيرا تضامناً مع الزملاء، ولأن السجن كان وقتئذ خمس نجوم، وكانت الصحف تدخل يومياً لهم، فقد كتب مجدي حسين في مذكراته، أنهم وإن نسيهم الجميع فلم أنساهم. وقد أخذت واقعة الزميل الرسام حظها من التندر والسخرية في كتاباتي عن الزملاء، ولم أكن أتصور أن بعد كل هذه السنوات سيتكرر الأمر مع زميل، لكن الفارق هنا هو لصالح العهد البائد، فلم تكن سجونه بالقسوة التي عليها الآن، فلن يقرأ أحمد النجدي في محبسه هذه السطور، وهو يتعرض للتنكيل غير المبرر، ولم يكن عمله في “«الجزيرة»”، مذيعاً، أو صانع سياسة، أو منفذاً لسياسة، فقد كان “مدققاً لغوياً” نطلق عليه في مصر “مصححاً”، وظيفته التأكد من أن المكتوب صحيح نحوي، من حيث الالتزام بقواعد النحو والصرف!

الانقلابات الإذاعية

و”النجدي” هو ابن الإذاعة المصرية، ومن زمن كان من يسيطر عليها يلقي البيان رقم واحد، فيصبح رئيساً للبلاد، دون دبابات أو مدافع، ودون أن يكلف خاطره بالانتقال وحصار القصر الجمهوري، على نحو كاشف بأنه لم يدخل هذا المبنى إلا بعد تقارير أمنية تفيد أنه لا توجد حوله أي شبهات أمنية، وقد عمل في «الجزيرة» قبل 2013، وقد تجاوز الستين من عمره، وهو مريض ويتحرك بصعوبة، ولا يدخل طرفاً في أي حوارات سياسية، وكنت اتجاذب معه أطراف الحديث المهني أحياناً عن زمن التحاقه بالإذاعة، وعن زمن الرواد الذين عمل معهم، مثل صبري سلامة، ولم يحدث مرة أن تطرقنا في حديثنا للسياسة المصرية، ولا لسياسة دول عدم الانحياز!

والحال كذلك، فقد كان، كغيره، يسافر إلى القاهرة، أكثر من مرة في العام، حتى في فترة حصار قطر، فالرجل لا يمثل خطراً على الأمن والسلم الدوليين، فحتى ثورة يناير لم يشارك فيها، فضلاً عن أن السلطات المصرية لا تجرم العمل في “«الجزيرة»” في المطلق، صحيح أن الوضع لم يكن آمناً تماماً، لكنه لم يصل إلى زمن مبارك، الذي كان يميز بين عمل المصريين في «الجزيرة»، وبين سياسة «الجزيرة»، ولم يحدث أن تم توقيف مصري في المطار في عهد “أبو علاء” عائداً من القناة، والأمر نفسه كان يسري على العاملين فيها من دول أخرى، بين النظام والقناة ما صنع الحداد، مثل تونس، فقد كانت الديكتاتوريات القديمة أكثر رشداً!

على قائمة الإرهاب

واذا كانت خالدة الذكر بدرية السيد، غنت قديماً أغنية “يا حلو قوللي طبعك وأنا أمشي عليه”، فقد كان على أهل الحكم في القاهرة، أن يعلنوا ابتداء أنهم ضد العمل في قناة «الجزيرة»، وحينئذ يكون من المناسب تبرير ما يجري، مع استنكاره لغرابته، لكنهم لم يفعلوا، وعندما تم الإعلان عن أنهم سيضعون قناة “«الجزيرة»” على قائمة الإرهاب قلت لن يكون، لأن هذا وإن كان سيضحك عليهم الثكالى من الفرنجة، فسوف يفقدون رجالهم بداخلها، ويفخر السادة الضباط بأنهم يعرفون كل شيء داخل «الجزيرة»، بما في ذلك “الروتا”، وأماكن جلوس العاملين فيها في غرف الأخبار، وكأنهم اخترقوا تنظيم “القاعدة”، مع أن الأصل في القنوات التلفزيونية أنها على الهواء، لأنه لا يجري في غرفة الأخبار التخطيط لقلب أنظمة الحكم بالقوة!

ما علينا، فليفخر القوم وليطربوا لأنهم اخترقوا الغلاف الجوي من ثقب الأوزون، لكن العجز الحقيقي الذي يستحق التندر، هو أنهم اعتقلوا أحمد النجدي، وهو ليس أكثر من “مدقق”، تخصصه الفاعل والمفعول، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ، وليس في هذا ما يمثل معارضة لأي نظام، بما في ذلك النظام في بوركينا فاسو!

ويا خيبة المسعى، على من تصلهم تفاصيل التفاصيل بما في ذلك “الروتا”، ولم يصلهم أن النجدي مدقق، لا يرسم سياسة، ولا ينفذ سياسة، ولا يمكن القول إنه ضبط متلبساً بالحديث في السياسة، مع أحد كائناً من كان، كما لا يمكن القول إنه نشر أخباراً كاذبة، لأنه من الجيل الذي لم يتعرف بعد على منصات التواصل الاجتماعي، فلا صفحة على “فيسبوك”، ولا فيديو على “يوتيوب”، ولا كلمة على “تويتر”، ولا صورة على “إنستغرام”، وليس هو “خُط الصعيد”، الذي عاش في الجبل، مطروداً وطارداً، حتى قتل في عام 1947، وإن كان كل من خرجوا على القانون مثله في الجنوب المصري أطلق عليهم اللقب: “خُط الصعيد”! متى ينبشون قبر سيبويه، ويصدرون قراراً بسجنه بتهمة نشر أخبار كاذبة؟!

أرض جو:

ليس تنازل شركة الأجهزة الأمنية “المتحدة” عن إدارة قناتي “الأهلي” و”الزمالك” للناديين، هو نهاية المطاف، لأن الاستحواذ على القناتين، جزء من سياسة عامة باستحواذ أهل الحكم على الإعلام المصري، وسياسة خاصة بتأميم الأندية الكبيرة، وتحجيمها، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة!

فالقصة أن كل الأطراف تحركوا من باب المضطر، والمضطر – كما يقولون – يركب الصعب، فمحمود الخطيب رئيس النادي الأهلي، وجد نفسه مضطراً لإلقاء بيان “الليل وآخره” بمقاطعة القناة وعدم اعتبارها تمثل النادي الأهلي، بعد حذف تصريحات لمدير الكرة بالنادي سيد عبد الحفيظ، يشرح فيها أسباب امتناعه عن مصافحه رئيس نادي الزمالك بعد مباراة الأهلي والزمالك مؤخراً، وقد تم الحذف بعد شكوى مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك لرئيس الشركة المتحدة!

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تتصرف فيه قناة “الأهلي” مع النادي على أنها قناة مستقلة، والأمر نفسه حدث سابقاً مع قناة “الزمالك” واشتكى مرتضى منصور، لكنه كان كمن يشكو حاله لحاله!

“الخطيب”، وقد أصبح موقفه في غاية الحرج، فلم يجد أمامه من سبيل إلا بيان المقاطعة، ولأن الأمر خاص بجماهير نادي كبير من حيث مشجعيه وليس قوة مجلس ادارته، فقد كان رد فعل الشركة المتحدة رعباً، فقد تنازلت عن القناتين للناديين، الأمر الذي أزعج إدارة الأهلي فأعلن أحد مسؤوليه أنهم يحملون تقديراً للشركة المتحدة لدورها الوطني. وكأنها تحارب على الجبهة!

السؤال الملح، ما هي خبرة الشركة المتحدة والعاملين فيها جميعاً في مجال الإعلام ليتم التعاقد معها على إدارة القناتين، ولماذا لا يدير الناديين قناتهما، كما كان الحال من قبل، فقناة الأهلي أطلقت في سنة 2010 تحت ادارته، إلى أن تم تخليق الشركة المتحدة بعد الانقلاب العسكري!

“المتحدة” أكبر من شركة!

وسوم: العدد 991