أستانا تسعة عشر ودعوى إعادة الثقة

زهير سالم*

أمر يثير العجب والسخرية، في طروحات البحث عما يزعم انه محاولات "إعادة الثقة"!! بين مقتول وقاتله!! وكلما "دق كوز بجرة" على مستوى ما يسمى الحل السياسي الأممي المتمثل في ٢٢٥٤، جعلوا في مقدمة الأهداف "إجراءات إعادة الثقة" وكأن الثقة كانت موجودة وأصبحت مفقودة، وهم يسعون إلى إعادتها!! أحيانا يكونون أكثر واقعية فيقولون، "بناء الثقة"، ويقتربون من الواقع أكثر حين يستعيرون من عالم الزراعة، فيقولون "زرع الثقة" أو استنبات الثقة!!

يفعلون هذا في أستانا، وفي الدستورية، وفي جولات التفاوض على السواء!!

إن أبسط ما يمكن ان يصادر به هذا العنوان الدبلوماسي غير الأنيق، هو أنه نوع من الخداع السينمائي، يتم تحت السيطرة، وفي حفلات الأضواء المطفئة.

وبعد تسع عشرة جولة من أستانا في ملعب واحد، لم تستطع أن تقنع أي فريق دولي مستقل بذاتها..

كل الأطراف الدولية التي تحضر أستانا تحضرها بصفة، مراقب، بمن فيهم غير بيدرسون نفسه، مراقب وليس شريكا..

وكل "زعانف المعارضة" التي تحج كل مرة الى استانة، تفعل ذلك على طريقة "السائر في الركاب" ففي حياة الفروسية كان لا بد لكل فارس من راجل يسير في ركابه، احيانا عن يمينه وأحيانا يأخذ بذيل دابته.، والتي لا يشترط ان تكون فرسا دائما..وكذا يمكن ان يوسم الفريق الآخر لو كانوا يعلمون.

القضايا العالقة على جدول الأعمال في أستانا من ١ إلى ١٩؛ دائما هي هي، ففي استانا وحدها يصدق العنوان: اللقاء للقاء. حيث يريد الروسي أن يقنع العالم من خلال شركاه أنه يعمل، وانه يملك خارطة طريق، ولديه لخارطة الطريق منفذون.

كل ما على الأرض السورية يتحرك باتجاه معاكس للمؤشرات أو أسهم الدلالة، التي ترفعها استانا.

ولم يمر يوم على الساحة السورية خلال سني أستانا

 الخمسة، لم يقتل فيه سوري، ولم يعتقل فيه سوري، ولم يعذب فيه سوري، شيء واحد تغير فقط، فقد تعددت الجهات التي تقوم بالقتل والتي تقوم بالاعتقال والتي تقوم بالتعذيب..!! وفي هذا عبرة لمعتبر!!

وعمليات القصف العشوائي التي ينفذها الروسي والأسدي بطيرانه فتدمر وتقتل، هي المسلّة الوحيدة التي يتوقع بوتين انها يمكن ان تعيد رتق العيش "تحت الإكراه" بالنسبة لملايين. فبعد أن نجح الروسي بل المجتمع الدولي في محاصرة السوري بأفانين ومحاور من الإكراه، ترك له كوة ليجري المساوءة، البحث عن الأقل سوء ، في ظروف إنسانية وحياتية مادية شديدة التعقيد.

إن أفانين المحاصرة ذات الشعب الثلاث التي يعيشها المهجّر السوري هي وحدها التي تجبر المواطن السوري، على أن يعيد تقويم المساواءت.

يتحدث سوري صريح فيقول مع الأسف إن بشار الأسد لا يقتل باسمنا ولا يغتال باسمنا ولا يعذب باسمنا ولا يصادر حريات الناس باسمنا ولا يرعى الفاسدين باسمنا، ولكن هؤلاء يفعلون كل ذلك، وقد أرهقنا خلال عشر سنوات التماس المعاذير!!

الثقة بين شعب سورية وبشار الأسد لن تعود..

ولكن معادلات جديدة بدأت تفرض نفسها على عقول السوريين وقلوبهم، حيث يراهن الكثيرون على طبيعة العلاقة الجدلية بين مشروعين يتمثلان في واقع غارق في الفساد والضعف والتفسخ، وكل ما رفع من كفة من كفتي ميزان المتأرجحة، انتقل الى الأخرى، في حالة فقدان بديل عملي يكون "المثابة" حسب التعبير القرآني. يقول المواطن السوري، نحن هنا وهناك نأكل الحشف، بقي علينا ان نخمن أين يكون سوء الكيلة أفدح؟؟

معاناة يصنعها في أحد الطرفين من يجب ان يكون دواءها، ويلخصها شطر بيت لحكيم عربي:

"والناس كلهم بكر إذا شبعوا"

أكتب وتتوارد الأخبار باستهلال جلسات أستانا بقصفات الطيران الروسي على الأرض التي لا يجوز أن تحلم بالأمن ولا إنسانها بالأمان..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1007