استقالة السفيرة الإسرائيلية في باريس واعتقال الصحفي إسرائيل بيري لهما ما بعدهما من العواصف في إسرائيل

حماد صبح

استقالت السفيرة الإسرائيلية ياعيل جيرمان من عملها في باريس احتجاجا وغضبا على حكومة نتنياهو لضمها ممثلين من " أحزاب يتجلى تطرفها في خطوطها الأساسية وفي تصريحاتها ... " مثلما قالت في بيان استقالتها ، و رأت في توجهات الحكومة الجديدة تهديدا ل " شخصية إسرائيل وقيمها . " ، وتعارضا مع ضميرها ونظرتها للعالم ، وما سمته " الوعود الواردة في وثيقة إعلان استقلال  البلاد كدولة يهودية وديمقراطية . " ، ونفت قدرتها على الاستمرار في تمثيل سياسة مختلفة تماما عن كل ما تؤمن به . وقبل استقالة السفيرة بيوم اعتقلت الشرطة الإسرائيلية الصحفي إسرائيل بيري لوصفه مقاوما فلسطينيا بالبطولة . والحدثان لا سابق لهما تقريبا في تاريخ هذه الدولة الغريبة العجيبة التي اهتمت منذ قيامها بالحرص الملتزم على الظهور بمظهر الدولة الديمقراطية انسجاما مع القيم الغربية التي تعود إليها في جذورها السياسية والثقافية ، والعرقية بنسبة كبيرة . وكثيرا ما قال ساستها ومفكروها وإعلاميوها إن خروجهم على القيم الغربية  في نظامهم السياسي وحرية الرأي وفق اجتهاد الضمير  قد يعني نهايتهم . وأغفلوا قاصدين حقيقة أنك لا تستطيع أن تكون وسخا ملوثا ، ونظيفا نقيا ، وقاتلا وضحية ، وسارقا وشريفا في شخصية واحدة . ولا تستطيع أن تهاجر إلى بلاد الآخرين وتسمي نفسك عائدا ، وتسرق أرضهم وتستوطنها ، وتسمي سرقتها في وثيقة من إعدادك استقلالا ، وتنشىء في الأرض المسروقة دولة تسميها يهودية حاجيا عينيك الرمداوين ووعيك المشوه عن أضواء عروبتها وإسلاميتها التاريخيتين الساطعتين ، وتقتل من أهلها من تستطيع قتله في مجازر تعترف بها تاليا في وقت وآخر ، وتطرد من تستطيع طرده خارجها ، وتضطهد من بقي فيها أو تقتله أو تعتقله ، وتؤيده في سجونك إذا احتج على اضطهادك ووحشيتك وجرائمك ، وتواصل السطو على ما لبث في حيازته من أرضه ، وتقيم فيها المستوطنات ، وتهب مستوطنيها الأراذل الأسافل حرية كاملة في الاعتداء عليه حاميا لهم بسلاح جيشك ، ومسلحا لهم ذاتيا ، وتشاركهم في قلع أشجاره وسرقة ثماره  ، وتخريب حياته ، وقطع طرقه وقتله أحيانا في حواجزك في لحظة شك في نيته نحوك . كل تلك الجنايات والموبقات معادها المهلك عليك ، وهو ما بدأت نذره تبرق وترعد . كل تاريخ هذا الكيان المولود سفاحا في المنطقة حروب وشرور ودماء واغتيالات ظاهرة وسرية ، وكل حكوماته انطلقت في متوالية متلاحقة متدفقة من السوء والشر والتطرف ضد الفلسطينيين والعرب والمسلمين إلا أن الحكومة الجديدة جمحت في تكوينها جمحة متمادية في السوء والشر والتطرف وتعرية الأنياب العنصرية الحاقدة ، ولعلها الكشف النهائي عن جوهر هذا الكيان وليد الخطأ والخطيئة . ودائما قيل عنه من أعدائه وأصدقائه وفي داخله إنه مثقل بخصائص فنائه ذاتيا . وحكومته الجديدة قد تكون مرحلة متقدمة على درب هذا الفناء . وانقسامه الكبير حول مكونات هذه الحكومة من علامات دنو فنائه . وتعبيرا صارخا عن هذا الانقسام تعلو الأصوات في داخله داعية إلى الهجرة منه ، والانتفاض عليه . واستقالة السفيرة جيرمان علامة من علامات الانتفاض ، ونرجح أنها قد تكون بداية استقالات سفراء تالين . واعتقال إسرائيل بيري سيكون له تأثير مؤكد على حرية الرأي في إسرائيل ، فيؤثر بعض الكتاب والمثقفين والفنانين الليبراليين الهجرة إلى الخارج ، ويدنو بعضهم من الشعور بما يلقاه فلسطينيو الداخل من كبت لحرية التعبير عن ذاتهم القومية . وتنذر سيطرة سموتريتش على وزارة الأمن القومي بالتشدد في هذا الاتجاه ضد الفلسطينيين وبعض الإسرائيليين الليبراليين ، وقد يجدون أنفسهم في نسخة جديدة من مكارثية أميركا في خمسينات القرن الماضي التي اندفعت في محاربة حرية الرأي رافعة راية الخطر الشيوعي . وربما لا تعيش حكومة نتنياهو وزمرته المتشددة طويلا ، وسقوطها سيفجر اليأس في نفوس مستوطني إسرائيل من مستقبلها ومن أهليتها للعيش فيها . ولننتظر ! وانتظارنا حافل بالتفاؤل بانتهاء هذا الكيان الغريب الهجين نهايته المنبثقة من خصائص زيف مقومات ولادته القيصرية في أرض ليس له . 

وسوم: العدد 1013