مقال +48

زهير سالم*

من مخرجات التغير في خارطة التحالفات الجديدة في منطقتنا...

إيران الخائفة التي تترقب، وتطمينات الأسد وشركائه الجدد التي لا تقنعها...

"هكذا هي الدنيا" ...

وهذه هي السياسة لمن يريد أن يتعاطاها..

وإيران التي كانت الداعم الوفي، الذي قدم الكثير لبشار الأسد، أصبحت اليوم في موقع المرغوب عنه. وربما تصبح بعد حين في موقع المغضوب عليه.

أكتب لأحلل مواقفهم من إيران، ومن دورها الإقليمي، ومن مشروعها الصفوي.

ولا أريد أن أقارب موقفنا كسوريين من كل ذلك. بعض الأمور لاتناقش أمام الصغير ولو بلغ الحلم حتى يؤنس منه الرشد. والتمييز بين إيران الواقع "الجيوسياسي" وإيران "المشروع الصفوي" ربما يحتاج إلى مستوى أرقى من الرشد؛ لذا أطلب أن لا يُنسب إلى شخصي الضعيف في هذا الذي أثير قول. ولغل من تولى قارها يقلقه مستقبل ملايين المهجرين فيقول...

ورحم الله قائلا قال:

وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول

وإذا كنا بكل بهائنا ووقارنا وجمالنا وأبهتنا، نرفض أن نجري وراء كرة، أو أن نقفز على الحبل، فلماذا ندخل الملعب إذن؟؟ ولماذا نرضى أن نكون مجرد مشجعين، نهتف لهذا تارة، ونصرخ لذاك أخرى: ببور فاضي بدو قاظ، على لغة أهل حلب...

في اللقاء الثلاثي الذي حصل في موسكو أواخر العام المنقضي، وجمع وزيري الدفاع التركي والأسدي بإشراف روسي؛ لحظ المراقبون تشكل ترويكا جديدة، تتجاوز ما كان يقال له ترويكا أستانا، حيث غابت أيران وكيلة الأسد، وحل الأصيل مكان الوكيل، وغاب الوكيل، وبعض الناس يتكهنون: انتهى دوره، وفي هذا ما فيه من المعاني والرسائل التي يمكن أن يلتقطها من كان بحوزته جهاز لاقط، يلتقط كل الذبذبات من كل الجهات، أعجبتنا أو لم تعجبنا. طفولية وسذاجة وقلة رشد أن لا نلتقط من الأخبار إلا ما يغجبنا، وأن لا نعلق إلا على الذي يرضينا، بالطريقة التي ترضينا.

حبل النجاة التركي يمتد لبشار الأسد...

وبغض النظر عن تحليلنا لحقيقة الموقف التركي، دواعيه وأسبابه وأبعاده ومشروعيته، وأفضل دائما أن نترك ذلك للأتراك أنفسهم؛ فكلٌ كما يقولون أدرى بثلثه أو ربعه أو خمسه..

فإن الذي نستطيع أن نراه على ضوء جملة المتغيرات في المشهدين الدولي والإقليمي، أن الحبل التركي الممدودـ، ويعسر علي أن أكتب اليد التركية الممدودة، للغريق المتهاك، قد يعين على سد ثغرة، ووقاية من عثرة، وعون على أمر ما كان الأسد ليستطيعه وهو في مثل الموج الذي يجيئه من كل مكان.

إن التخفف من العبء الإيراني بكل مجسداته ومشخصاته ربما أصبح مطلبا أكثر إلحاحا يلح عليه مشغلو الأسد المتعددون ومنهم جاره الصهيوني، وحليفه الاستراتيجي الأمريكي والغربي. لقد دخل المشروع الصفوي بكل أدواته وميليشياته ومكارهه إلى سورية بمعرفة كل هؤلاء ومباركتهم، لإنقاذ الأسد في ساعة "العسرة" وقد تم. أما وقد انتهى الدور، فإن الكثيرين يصرون على الأسد، وهم في موضع الآمر الناهي منه، أن يسحب التفويض، ويقلص الوجود. للعلم فهذا اليوم مطلب صهيوني - أمريكي - أوربي - روسي. وربما دهاقنة إيران الذين أدوا في المنطقة ومنذ عودة الخميني إلى طهران، دور العصا الأمريكية القذارة، بقذارة ؛ طالما ترفع عنها الشاه رضا بهلوي؛ يتهجون درسهم بصغوبة بالغة. كل المديح الذي تلقاه الشعوبيون والطائفيون المتهالكون، كان نوعا من الإبساس، الطبطبة على ضرع البقرة لكي تحلب أكثر، وقد فعلت وحلبت دما وغسلينا..

في الدور السياسي الدولي، وأبرز مافيه، تورط بوتين في حرب أوكرانيا، والتي وقت لها ثلاثة أيام كما وقت لحربه في سورية شهرا، وهاهي حربه في أوكرانيا تشارف العام. وفي الدور السياسي الإقليمي وأبرز ما فيه، الاستدارة التركية الثانية في اتجاه الروس، على طريق البحث عن دور أكبر من الدور في سورية؛ مياه كثيرة تجري تحت عشب الغابة...

إيران الحليف لمخذول، أو المعزول، أو المرغوب عنه؛ يشعر بالغبن، أو بالغدر..

بشار الاسد الألعبان يعرف كيف يستجر اللعبة، كما استجرها أبوه من قبل لأكثر من عقد أيام حرب الخليج الأولى..ربما أحد يهمس في أذن حكام الخليج، ودول الجامعة العربية بمثل هذا..

ورقة الزهرة السوداء "السنك" التي سترضي الصهيوني والأمريكي والأوربي والعربي، وكثيرا من طيبي القلوب من السوريين المفجعوين...ستضرب في لحظة ما على الطاولة الأسدية...

سيسمع الإيرانيون في لحظة صعبة، غير مأسوف عليهم، من ينشدهم:

ستعلم إذا انجلى الغبار .. أفرس تحتك أو حمار..

في لعبة ستة كراسي وسبعة لاعبين، دائما يظل بلا كرسي اللاعب العاجز أو الضعيف أو المستضغف...أحذر أن أكون

لعلهم ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1014