الأب الياس زحلاوي و«نعمة» الزلزال.. دريد لحام في «وقفة عزّ».. ورقابة مبكرة على مسلسل «معاوية»

راشد عيسى

«أَذْكُرُ آية من القرآن الكريم، كنتُ أكررها خلال النهار». هكذا يبدأ الأب الياس زحلاوي فيديو بثّتْه وكالة أنباء النظام السوري «سانا»، كما لو أنه يريد أولاً أن ينبّه مستمعيه إلى أنه، هو المسيحي، يستشهد بآية قرآنية، مع أن الآية الكريمة حاضرة بكثافة في لغتنا اليومية، ربما من فرط الأشياء العسيرة التي تحدث لنا: «عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم».

ولكن اُنظر إلى أي «خير» سيأخذنا الأب السوري.

يقول: «سوريا واجهت ظروفاً قاسية، رتّبها الغرب كله، مع كثيرين من العرب، لتدمير سوريا»، ليضيف: «لمسنا لمس اليد تعاطفاً ما كنا نراه قبلاً، واندفاعاً من جميع الناس في مواجهة هذه النكبة الكبيرة، وهي الزلزال».

هكذا إذاً! الأمر الذي قد نكرهه، وسيظهر أنه خير في النهاية ما هو إلا الزلزال، الذي ضرب البلاد أخيراً، الزلزال الذي صُنِّف كأسوأ كارثة طبيعية ضربت المنطقة خلال قرن، والتي بلغت حصيلة ضحاياها حتى الآن 45 ألفاً، بضعة آلاف منهم سوريون، وآلاف المنازل المدمرة بالكامل، وملايين المتضررين. الأب زحلاوي يذهب أبعد من ذلك، ليتساءل، وبما يشبه الجواب: «هل كان هذا الزلزال الكارثة نعمة؟ ربما يأتي يوم ونقول إن ضحايا الزلزال قدموا حياتهم لإنقاذ إخوتهم في سوريا».

يرمي كلام الأب زحلاوي إلى القول إن الشيء الذي عسانا نكون قد كرهناه (أي الزلزال) ما هو إلا نعمة على سوريا، بعد أن أدى إلى التعاطف الذي سيؤدي إلى إنقاذها. هذا الذي تُرجم سياسياً بالانفتاح على نظام الأسد.

باختصار؛ يرمي كلام الأب إلى القول إن الشيء الذي عسانا نكون قد كرهناه (أي الزلزال) ما هو إلا نعمة على سوريا، بعد أن أدى إلى التعاطف الذي سيؤدي إلى إنقاذها. هذا الذي تُرجم سياسياً بالانفتاح على نظام الأسد، وبتجرّؤ بعض الأنظمة على إعادة الاتصال، أو رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي. بترجمة أخرى، أكثر وضوحاً، نعمة الزلزال أنه سيعيد الجميع، دولاً وسوريين، إلى أحضان نظام الأسد. وهذه هي النغمة التي سادت في أيام ما بعد الزلزال، في دعوات أبواق النظام إلى المصالحة والمحبة والوئام، وما دام لم يتحدث أحد عن أي تغيير، أو حتى تعديل في النظام، فإن ذلك يعني أن محبة السوريين وتصالحهم وتضامنهم ستكون تحت سقف النظام.

العبارة الختامية في حديث الأب زحلاوي ستأتي لتُتَمِّم المعنى، أو التوظيف السياسي لفائض المحبة: «عسى يتعلم السوريون المتواجدون خارج سوريا مما حدث، لكي يكفّوا عن قتل أمهم التي هي الوطن، سوريا».

الأب المسيحي، الداعي إلى المحبة والعطف والتضامن، لا يتورع عن اتهام «سوريي الخارج» بالجملة بقتل أمهم، والذين، على ما يبدو، احتاجوا إلى زلزال كي يعيدهم إلى أحضانها.

الزلزال كارثة، بكل الإحصاءات، على الورق، كما على الأرض. في كتب الجغرافيا، كما في كتب التاريخ والأدب والمذكرات، كما في الفيديوهات المروعة المتدفقة على شاشاتنا على مدار الساعة، إلا عند أبواق الأسد.

من أيقظ دريد لحام؟

لا ندري من (وما) الذي أيقظ دريد لحام، هكذا على عجل، بحيث لم يلحق الرجل ارتداء لباسه الميداني، وقيافته المعتادة، قبل قراءة رسالة ما بعد الزلزال. ما الضرورة، وما العاجل، وما الأثر الذي لا يؤجل الذي يمكن أن تحدثه رسالته؟

رسالة مصورة، يقرأ فيها دريد من ورقة، في واحدة من المرات النادرة، كما لو كان يقرأ البيان رقم واحد، مع تقطيع جمل سيىء، وصوت لاهث، وارتجافة صوت مفتعلة، وكتابة ركيكة في الأساس، من دون أن يقول شيئاً ذا قيمة، أي شيء.

أليس الصمت أكثر بلاغة أحياناً، خصوصاً مع كلام إنشاء، كلام منابر «البعث»، الذي ما إن تمرّ كلمة «وقفة» حتى يضع لصقها كلمة «عزّ»، مع أن الناس إزاء الزلزال غالباً ما وقفت وقفة أسى.

قال دريد: «شكراً لكل السوريين في الوطن والمهجر، الذين وقفوا وقفة واحدة، وقفة عز، شكراً لكل المحافظات، لكل الدول الصديقة، وبعض الدول الشقيقة التي هبت لمساندة بلدي. لا شكراً للغرب الذي وقف وقفة متفرج بلا ضمير..».

هل من الضروري أن يدلي المرء بدلوه إن لم يكن لديه حقاً ما يقول؟ هل هناك من أوحى لـ«غوار» أن الزلزال معركة أخرى من المعارك، ولا يجوز التأخر عنها، ولذلك فإن كلمةً منه ستكون بمثابة رصاصة، كما كان الحال دائماً في كل معارك النظام.

أليس الصمت أكثر بلاغة أحياناً، خصوصاً مع كلام إنشاء، كلام منابر «البعث»، الذي ما إن تمرّ كلمة «وقفة» حتى يضع لصقها كلمة «عزّ»، مع أن الناس إزاء الزلزال غالباً ما وقفت وقفة أسى، وقفة مغيث، وقفة مستغيث، وقفة حائرة، وقفة خائرة، وقفة بكاء، وقفة صمت، وقفة عجز.. لكن دريد يأبى، كما يأبى إلا أن يقول قولته بالمناسبة، وفي كل مناسبة.

مسلسل «معاوية»

من تحولات الرقابة على المسلسلات أن الرقابة لم تعد تنتظر أن يصلها الورق، السيناريو المكتوب، حتى تحكم بصلاحيته، تشطب أو تقترح، أو تلغي. ولم تعد تنتظر المرحلة الثانية من الرقابة، أي رقابة ما قبل العرض، فالرقابة اليوم تسنّ سكاكينها، دون ورق، ومن دون أي فكرة عن محتوى العرض، يكفي أن يقال إن مسلسلاً عن شخصية معاوية بن أبي سفيان سيعرض قريباً، حتى تقوم الدنيا ولا تقعد.

رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر غرّد، منبهاً، ومعترضاً، ومحذراً، من مجرد تناول شخصية معاوية، فقد طالبَ قناة «أم بي سي» أن «تتراجع عن بث مسلسل درامي بخصوص معاوية»، فهو، بحسبه «رأس الفتنة الطائفية، وأول من سنّ سبّ الصحابة، وأول من خرج عن إمام زمانه، وشقّ الوحدة الإسلامية..». وأضاف أن بث هذا المسلسل «مخالف للسياسات الجديدة المعتدلة التي انتهجتها المملكة العربية السعودية الشقيقة». وختم: «لا داعي لجرح مشاعر إخوانكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها».

على ضفة أخرى، سنجد شيخاً مصرياً لديه قناة على «يوتيوب»، مارس رقابته بشكل مختلف، فما دام من غير معطيات فقد راح يتقصى الأسماء المشاركة في المسلسل، ويراقب صلاحيتها الشخصية لأدائه. فكاتب المسلسل خالد صلاح «علماني»، حسبه، و»حين يكون علمانيٌّ (لم أسمع عن رجل دين مختص بكتابة المسلسلات) مؤلفاً لمسلسل يتكلم عن صحابي جليل إذاً حقّ لنا أن نخاف، ونخشى أن يسيء إلى الصحابي». ثم يقرّر «اليوتيوبر» الشيخ أن من سيمثّل شخصية عثمان بن عفان هو أيمن زيدان «المشكوك في عقيدته»، ويحاول أن يثبت ذلك بالقول: «أنا عملت سبراً عن هذا الممثل، وهو عنده تشيّع، وكان يذهب ويزور كربلاء. وكانت لعنة سيدنا عثمان تطرق مسامعه».

الرقابة لم تعد تنتظر أن يصلها السيناريو المكتوب حتى تحكم بصلاحيته. ولم تعد تنتظر المرحلة الثانية من الرقابة، أي رقابة ما قبل العرض، هي اليوم تسنّ سكاكينها، دون ورق، ومن دون أي فكرة عن محتوى العرض.

ويضيف «اليوتيوبر» الشيخ: «ومن سيؤدي دور عمرو بن العاص الممثل السوري وائل شرف، وأيضاً عقيدته عليها كلام كثير. حيث أنكر تكفير اليهود والنصارى». ويتابع: «أما من يمثل هند بنت عتبة، فلا أجرؤ أن أظهرها لكم، لأنها شخصية في قمة الفسق والعري». ولا يبدو أن لدى الشيخ معطيات كافية عمن سيؤدي دور معاوية (لجين إسماعيل). ومع ذلك لا يمرّ من دون أن يتهكم من الاسم نفسه. قبل أن يصل إلى من يلعب دور علي بن أبي طالب، الممثل الأردني إياد نصار، فيوسعه بالشتائم والاتهامات.

أما في حجّته ضد مخرج المسلسل طارق العريان، فيقول الشيخ: «هو من أصل فلسطيني وعاش في أمريكا، وعاد إلى مصر، لا أعلم عنه شيئاً، ولكن يكفي أنه ولد في أمريكا وعاش فيها وتشرّب الثقافة الأمريكية».

هي رقابة إذاً على نص موازٍ، مسلسل موازٍ، موجود في مخيلة الرقباء، ولا شك أن مقتدى افترض، ما دام أن الجهة المنتجة للعمل سعودية، ألّا يتطابق التناول مع المراجع المعتمدة لديه، ولدى مرجعياته من رجال الدين، كما افترض «اليوتيوبر» المصري الشيخ أن العلمانيين لن يتطابقوا مع مرجعيته الأصولية. وفي الطريق إلى عرض المسلسل، وأثناء العرض، ستظهر رقابات كثيرة لا حصر لها. كان الله في عون المشاهد.

وسوم: العدد 1020