في وضوح شمس الصيف .. مؤتمر العقبة الخماسي إسرائيلي الهدف

حماد صبح

مثلما حدث دائما ، سارعت أميركا لإغاثة إسرائيل من محنتها في مواجهة كتائب المقاومة الفلسطينية في الضفة ، ومن العمليات الفردية الموجعة في القدس ، ومثلما حدث دائما ، كان بعض العرب وسيلة تلك الإغاثة ، ومثلما حدث دائما ، يًسوغ  دور أولئك العرب ، ومنهم الفلسطينيون ، بوعود اقتصادية . سوغت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو ،  من بين ما سوغته به ، بوعد تحويل غزة إلى سنغافورة ثانية ثراء وازدهارا ،  وقيل إن شركة فيات الإيطالية ستفتتح لها فرعا فيها لصناعة سياراتها . ولا يخجل مروجو الوعود الجميلة من العرب والفلسطينيين من المسلسل الطويل لانكشاف وافتضاح تسويغاتهم وأكاذيبهم ، ولغيبة خجلهم سببان ، أولهما أنهم لم يعاقبوا من شعوبهم على انكشافاتهم وافتضاحاتهم السابقة  ، وثانيهما أنهم لا ملجأ لهم من عصيان إرادة أميركا وإسرائيل . العصيان مؤداه زوالهم أشخاصا وأنظمة . المعادلة واضحة محددة .  كلهم كيانات وظيفية لخدمة إرادة أميركا وحماية إسرائيل . انكشف عجز إسرائيل الأمني في الضفة بمستوى فاجأها وفاجأ كثيرين ، وأمام من ؟! أمام عدد صغير من الشبان المسلحين تسليحا قليلا بعضه بدائي ، ومن توافيق الله _ عز قدره _ أن جاء ذلك الانكشاف الفاجع لها ، والمبهج لنا ، متوازيا مع محنة داخلية  تتواتر  تعقدا وتعسرا ، وأحدث تعقيداتها وتعسيراتها موافقة رئيس الموساد ديفيد برنيع على مشاركة أعضاء الجهاز من رتبة مقدم فما دون في مظاهرات السبت الأسبوعية المعارضة لانقلاب حكومة نتنياهو على النظام القضائي الإسرائيلي ، وهي مشاركة خطيرة الدلالة والأبعاد ، ولن تتأخر خطورتها في الظهور الذي قد يكون أحد تجسيداته انهيار الائتلاف الحكومي الحالي . لم تتحمل أميركا مشاهدة رضيعتها مخنوقة مشنوقة بين فكي محنة في الضفة والقدس ومحنة داخلية ، فسارعت لإغاثتها في محنة الضفة والقدس ، وحتمت عملية الإغاثة تفعيل الدور الوظيفي العربي ، فجاء مؤتمر العقبة الخماسي برئاسة أميركا . وهو بحكم هدفه أمني بحت  ، والأمن في مداولاته ومخططاته هو أمن إسرائيل ، ولْتلقَ في أخباره من الجانب العربي عظمة وعد بتحسين اقتصادي في الضفة ، ولا مشكلة في إلقاء عظمة وعد كاذب بمحادثات سياسية بين السلطة وإسرائيل التي جاهرت دائما أنها لن تدخل في محادثات سياسية مع هذه السلطة . ولسنا في حاجة للقول إن مشاركة ضابطين إسرائيليين كبيرين من الشاباك ورئاسة أركان الجيش الإسرائيلي توضح الهدف الحقيقي للمؤتمر . والسلطة منغمرة  في المخطط الأمني كليا ، وتراه إغاثة لها مثلما هو إغاثة لإسرائيل ، وفي هذا الانغمار ، تطالب بتدريب 5000  من عناصرها الحالية تدريبا يؤهلهم تأهيلا أكثر مهنية لأداء دورهم في ما يسمى التنسيق الأمني ، وتجنيد 10000 فرد جدد لذات الدور ، ولن يطول الوقت ليبين  أن العددين مطلب إسرائيلي لعلمنا أن كل ما له صلة بالأجهزة الأمنية الفلسطينية خاضع كليا لما تريده إسرائيل .   ويطمح المشاركون في " المؤتمر الإسرائيلي " إلى إعادة السلطة إلى غزة ، ويرون لمصر بحكم الملاصقة الجغرافية دورا أساسيا في تلك الإعادة . وأبعد من الدور المصري ، وفي ذات خطه ، يسري حديث منذ أكثر من عشرة أيام عن نية إسرائيل الانطلاق في عملية عسكرية كبرى في غزة لاستعادة ما تدعوه في هذيانها العُصابي  الردع المتآكل ، وتجدد الحديث مع مؤتمر العقبة عن تلك النية في ائتلاف مع الدور المصري لإعادة السلطة إلى غزة ، وإعادة التنسيق الأمني فيها إلى زمنه الذهبي قبل الانقسام في 2007 . والدور المصري والعملية الإسرائيلية لن ينقذا إسرائيل ، وهما اندفاع صوب تعقيدات وتعسيرات أشد وأبعد مدى لما يحدث الآن في الضفة والقدس وإسرائيل ذاتها . والسلطة في اقتناع كل الفلسطينيين كيان انتهى وطنيا وسياسيا ، وأولى لمصر أن تنصرف لمواجهة ويلاتها الاقتصادية والسياسية بدل الانغمار في مسعى إغاثة إسرائيل ، وذات النصح يوجه إلى الأردن ، وما أظن الدولتين قادرتين على معصية أميركا . والأيام القريبة زاخرة بأحداث كبار ، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ،ولن يغفر الله _ جل عدله _ لمن يعين  العدو في حربه على شعبه . ولينظر أعوان أميركا وإسرائيل  من العرب والفلسطينيين كيف تستأسد الدول في حماية أوطانها وشعوبها ! انظروا إلى روسيا تجابه أميركا والناتو واعية بهول المصير الذي يعدونه لها لو هزموها ،   وإلى إيران التي تتحدى أميركا والغرب وإسرائيل وأتباعهم من العرب ، وإلى كوريا الشمالية التي تناطح أميركا ومساعيها الشريرة للهيمنة في شبه القارة الكورية وآسيا ، وإلى الصين المصممة  على استعادة تايوان ، وإلى تركيا التي تبسط نفوذها في كل أصقاع العالم . كل ما قدرتم عليه هو التبعية الخانعة العمياء لعدو  الأمة ، يجركم  إلى مؤتمر بعد مؤتمر لمعاونته في عدوانه عليها ، وكل ما تسترون به عورة تبعيتكم أكاذيب عارية عن فوائد لها من هذه المؤتمرات  " المؤامرات " ، وأحدثها مؤتمر العقبة الخماسي  الواضح وضوح شمس الصيف أنه إسرائيلي أحادي الهدف ،   ، وإن كان وفق مقتضى وسائل تحقيق ذلك الهدف خماسي العدد . 

وسوم: العدد 1021