حول الاستدعاء الخامس لبشار الأسد إلى موسكو

زهير سالم*

استدعاءٌ على عجل حتى أنهم نسوا أن يحضروا معهم علم الجمهورية..

وبشار الأسد يتلقى التعليمات والدروس من الرئيس الروسي بوتين..

حجم التغيرات الدولية والإقليمية في 2022 جدير في الاعتبار..

بوتين يقول للأسد: وأنا الضامن وأنا الناصر .. فاطمئن..

وصل إلى موسكو مساء الثلاثاء 14/ 3/ بناء على استدعاء عاجل من الرئيس بوتين المسمى الرئيس السوري "بشار الأسد" ومن دلالات الاستعجال في الطلب والاستجابة، نسيان علم الجمهورية أن يحضر في مراسم الاستقبال، وانشغال جميع الوزراء الروس عن استقبل الرئيس فاستقبل على مستوى وكيل وزارة ، فتأمل..

في عملية الاستدعاء وظرفها ودلالتها عود على بدء..

 وحين أتابع بيانات ومواقف ومقالات كثير من ربعنا الذين نحسبُ عليهم، في المحطة الثانية عشرة للثورة السورية، أتذكر حكاية أهلنا في حلب عن "أبي سعيد" الشهير بالحشاش..

حاكمه القاضي بجريمة السرقة، وحكم عليه بضع سنوات سجن. ثم بعد أن قضاها "أبو سعيد" في سجنه، عاد إلى السرقة، وعاد ليمثل أمام القاضي، ويسأله القاضي كما هي العادة عن اسمه وعمره...

يقول القاضي كم عمرك؟ يرد "أبو سعيد" أربعون سنة سيدي..

يقول القاضي: عندما حاكمتك منذ عشر سنوات قلت: إن عمرك أربعون سنة!!

يجيب أبو سعيد متباهيا: الرجال عند كلمته سيدي!!

وهذا هو الحال، فيما تقرأ ونسمع ونتابع.. فنضحك أو نغص!!

كتبت منذ أيام أن حجم المتغيرات والارتدادات السياسية على السوريين وقضيتهم، كانت أقسى وأبلغ أثرا من حجم الاهتزازات الجيولوجية، التي مني بها الناس في شهر شباط!! ولكن لا أحد يبالي، ويبدو أن هذا الحال كان سائدا، في فضاء بشار الأسد الذي بدأ يتشرط شروط النمسا – راجع التاريخ الدبلوماسي- لكي يشترك في الاجتماع الثنائي في إطاره الرباعي، في موسكو، فاستدعاه بوتين على عجل، ليلقنه ويعلمه ويفرض عليه، وفي الوقت نفسه يطمئنه..

كل هذا ومع أحقية الثورة والثوار السوريين، ومع كثرة المدعين لصداقتهم لم يجدوا صديقا وافيا، يهمس لهم أو يجهر، أنه بغض النظر عن كل ما يقال في الإعلام من بيانات وتصريحات الإرجاف والتغرير، فإن ما حصل في 2022 ، والربع الأول من 2023 ، يستحق التأمل والاعتبار وإعادة التقدير وحسن التدبير.

وأن يؤكد لهم أن تحمل المسئولية السياسية بأبعادها يكون بإبعادها عن لغة الأماني، وعن فعل الذين:

رضوا بالأماني وابتلوا بحظوظهم.. وخاضوا بحار الجِد دعوى فما ابتلوا

وكما قال بوتين للأسد: إن حجم التغيرات الدولية والإقليمية في 2022 بالنسبة له تستحق إعادة الاعتبار، وتستحق أن يعيد النظر في لغة العنتريات التي تجلت في موقفه المعنطز في رفض اللقاء البرتوكولي مع الأتراك.

حظي بشار الأسد في اللقاء مع بوتين بما جعل أساريره أكثر انفراجا، حين تلقى وعدا من بوتين بأنه الولي والناصر والكافل والحامي. وقدم بشار الأسد بالمقابل لبوتين دعما لا محدودا في حربه ضد الشعب الأوكراني، محذرا من سيطرة النازية على العالم، هذا وقد خجلت النازية والنازيون من فعاله..!!

استدعاء الأسد إلى موسكو، في إطاره، وفي توقيته، ومهما حاولنا أن نقلل من شأنه، وأن نسخر من دور الأسد فيه، هو تأكيد جائر ظالم لدور قوة دولية كبرى، مدعومة خلف الستارة، بقوة دولية أكبر، لتكريس زمرة الأسد بالبعد الذي أفصح عنه لافروف "من الخطر أن يحكم أهل السنة السورية" وهذه الزيارة، أو عملية الاستدعاء هذه، مهما سميناها، هي محطة مفصلية على طريق نصرة الظلم والظالمين على المظلومين لا كافل لهم على الأرض ولا نصير..!!

وموقفنا من هذه الزيارة أن نضحك على أنفسنا فنقول: نستنكر ونشجب وندين...!!

أو أن نذهب مع حكاية أبي سعيد في أننا ما نزال أبناء أربعين..!!

لا أدري لماذا؟؟

ولا أدري لماذا كلما قلت يا قومنا، تعالوا نستقبل من أمرنا ما استدبرنا، ونعيد تقدير موقفنا، وتحديد استراتيجيتنا، ورسم خططنا، واختيار وسائلنا وأهم ما يشترط في الوسيلة أن تكون "مشروعة – ممكنة – مجدية" ردَّ عليّ بعض الناس: ماضون في طريقنا لا نقيل ولا نستقيل,, لماذا تختلط على هؤلاء، الدعوة إلى العقل والتعقل، والفكر والتفكر، واحتساب المستجد، والخروج من حميا السُّكر بالدعوة إلى الإقالة والاستقالة ..

قال بوتين لبشار: إن قيادة الصراعات في أطرها الدولية والإقليمية، يختلف عن الصراع بين أبناء الحارات. وأن اللعب على حبال السياسة يختلف عن اللعب بالحصى، وقانا الله شر التصحيف والتجحيف..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية