عن سوريا والشيزوفرينيا الجماعية!

يحيى الكبيسي

في سنة 2011، قرر وزراء الخارجية العرب، في اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية، تعليق عضوية سوريا في الجامعة، الى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهداتها التي وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية لحل الأزمة السورية، وقد فرضوا حينها عقوبات اقتصادية وسياسية على النظام، وحثوا الجيش السوري على «عدم التورط في أعمال العنف والقتل ضد المدنيين» كما دعوا «جميع أطراف المعارضة السورية للاجتماع في مقر الجامعة العربية… للاتفاق على رؤية موحدة للمرحلة الانتقالية في سوريا»!

وكانت جامعة الدول العربية قد أعدّت خطة عمل لحل الأزمة السورية تضمنت إيقاف أعمال العنف وحماية المواطنين السوريين، والإفراج عن المعتقلين، وإخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة، والسماح للمنظمات العربية ووسائل الإعلام التنقل بحرية للاطلاع على حقيقة الأوضاع هناك، فضلا عن الاعداد لمؤتمر وطني يضم الحكومة السورية ومختلف أطراف المعارضة.

ثم توالت قرارات الجامعة العربية بشأن سوريا، وكان أهمها قراران؛ الأول القرار رقم 7507 الصادر في 2012 والذي طالب مجلس الأمن باللجوء إلى الفصل السابع من الميثاق فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية. والقرار 7510 الصادر في 22 تموز 2012 والمتعلق بتنحي بشار الأسد عن السلطة، والقرار 7595 الصادر في 6 آذار 2012 الذي عدّ الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري!

وبعد 12 سنة كاملة من بداية الاحتجاجات في سوريا، وتحول أكثر 6.8 مليون مواطن سوري إلى لاجئين، ونزوح أكثر من 2.1 مليون مواطن آخر خارج مناطق سيطرة النظام (تبعا لأرقام منظمة الهجرة الدولية) ومقتل أكثر من 610 آلاف شخص (تبعا لأرقام المرصد السوري لحقوق الإنسان) واستخدام الغازات السامة لضرب مدن مأهولة، ودك المدن السورية بالبراميل المتفجرة، وعشرات آلاف المعتقلين والمختفيين قسرا، اتخذ مجلس الجامعة العربية قرارا (تاريخيا) يوم 7 أيار بعودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية!

تضمن القرار عبارات إنشائية غير قابلة للفهم مثل إعلان المجلس «تضامنه التام مع الشعب السوري إزاء ما يواجهه من تحديات تطال أمنه واستقراره، وما يتعرض له من انتهاكات خطيرة تهدد وجوده، وحياة المواطنين الأبرياء» من دون أي إشارة إلى الطرف الذي يهدد وجوده!

ثم الترحيب بالجهود المبذولة، (ولا نعرف ممن؟) من أجل تهيئة الظروف الملائمة الرامية إلى تحريك مسار التسوية السياسية الشاملة في سوريا! وتأكيده على ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلية «للتدرج» نحو حل الأزمة وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254!

وبالعودة إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي اتخذ في العام 2015، نجد أن القرار كان قد دعا إلى بدء مفاوضات رسمية بين ممثلي النظام والمعارضة السورية بخصوص عملية الانتقال السياسي بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة. على أن تشمل الجميع ولا تبنى على الطائفية، وتحدد جدولا زمنيا لصياغة دستور جديد للبلاد في غضون ستة أشهر! ودعم انتخابات «نزيهة» وفق الدستور الجديد في غضون 18 شهرا! وكما هو واضح فإن القرار الذي أشارت إليه الجامعة العربية لم يعد منطقيا من الأصل بعد التطورات التي شهدتها الأزمة السورية، خصوصا بعد الحرب الروسية ـ الأوكرانية التي أنهت عمليا أي إمكانية للحديث عن دستور جديد وانتقال حقيقي للسلطة على المدى المنظور، ليصبح موضوع النظام في سوريا جزءا من ملف الاستقطاب بين روسيا والغرب، وكان واضحا أن ذكره في نص القرار كان لمجرد التزويق لا أكثر!

الشيزوفرينيا العراقية تبدو أكثر غرابة، فموقف العراقيين من الموضوع السوري؛ منذ بداية الثورة السورية، كان محركه الرئيسي هو العامل الطائفي!

لقد كان السنة العرب في العراق قريبين سياسيا من النظام السوري الذي طالما رأوا فيه نظاما قوميا، وكان الأخير فاعلا رئيسيا في قرارهم السياسي، لكنهم انقلبوا عليه بعد الثورة السورية لسببين؛ الأول هو تبعيتهم للقرار الخليجي المتعلق بهذا الشأن، والثاني اعتقادهم بأن أي تغيير في سوريا سينتج عنه، عمليا، حكم الأغلبية السنية لهذا البلد، وبالتالي، تغيير علاقات القوة في سياق الصراع الطائفي الحاكم في العراق!

أما الفاعلون السياسيون الشيعة، فقد كانوا يرون في النظام السوري نظاما بعثيا لا يختلف عن نظام البعث في العراق، وهو يدعم، من وجهة نظر، عدم الاستقرار، عبر السماح بعبور المقاتلين العرب إلى العراق واستضافة قادة النظام السابق ومعارضي النظام الجديد.

ووصل امتعاضهم من النظام السوري إلى إصدار قرار من مجلس الوزراء العراقي، يطلب من مجلس الأمن الدولي بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة النظام السوري، لذا وجدوا في الثورة السورية تهديدا وجوديا حقيقيا، ومع انطلاق الاحتجاجات في سوريا، تغيرت زاوية النظر العراقية الرسمية إلى النظام؛ من هويته السياسية بوصفه نظاما بعثيا قوميا، إلى هويته الطائفية وعلاقاته مع إيران، وقررت الطبقة السياسية الشيعية دعم النظام في سوريا بقوة، ليس اقتصاديا وعسكريا وحسب، بل بالميليشيات المقاتلة!

أما الجانب الكردي فقد كان، كعادته، منقسما في موقفه من الثورة في سوريا؛ حيث صمتت السليمانية عن إبداء موقف واضح بسبب طبيعة العلاقة التاريخية التي تربط الاتحاد الوطني الكردستاني بالنظام السوري، وعائلة الأسد تحديدا، وعلاقاتهم الاستراتيجية بإيران، في مقابل موقف صريح لأربيل بدعم الثورة السورية! وفي نهاية الأمر وبسبب احتكار الفاعل السياسي الشيعي للقرار السياسي في العراق، بدا الموقف الرسمي للدولة العراقية داعما وبقوة للنظام السوري سواء من خلال زيادة الواردات العراقية إلى سوريا، أو من خلال تحول الأراضي العراقية إلى معبر لإمداد النظام في سوريا بالأسلحة الإيرانية، أو اغماض عيونهم عن الميليشيات التي كانت تقاتل إلى جانب النظام في سوريا!

لطالما انتقد العراقيون بقسوة المجتمعات العربية دعمهم لنظام صدام حسين، واتهموهم بأنهم لم يلتفتوا للمواطن العراقي الذي كان عرضة لانتهاكات النظام، وكانوا ولا يزالوا يفسرون رفع الكثير من العرب صور صدام على أنه موقف طائفي يعكس عداءً ضمنيا ضدهم!

لكن هؤلاء العراقيين أنفسهم، لا يرون في دعمهم لنظام طائفي وشمولي ومجرم مثل النظام السوري، بالمال والسلاح والمقاتلين، أي مشكلة أخلاقية! بل ويبررون ذلك بأن البديل عن النظام السوري هو الفوضى، وبالتالي لا بد من دعمه حفاظا على سوريا! ويرون في احتجاجات السوريين وثورتهم خطرا يهدد سوريا ومؤامرة أجنبية ضد النظام (الوطني) في حين أنهم أنفسهم هللوا لاحتلال أجنبي صريح واستقبلوه في العراق رغبة في التخلص من نظام شبيه بالنظام السوري الذي يدافعون عنه اليوم ويتغافلون عن إجرامه وديكتاتوريته! ولا يأبهون إلى أن وضع الشعب بين خيارين زائفين هما الديكتاتورية أو الفوضى، هو خطاب ينتصر للديكتاتورية في النهاية!

وسوم: العدد 1032