تونس: من شجّع قرار سعيّد بسجن الغنوشي؟

رأي القدس

في واحد من التصريحات الفجة بشدة صراحتها، قام وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، في آذار/مارس الماضي بمطالبة «المجتمع الدولي» بتقديم مساعدة عاجلة لحكم الرئيس التونسي قيس سعيّد، كي لا تقع تونس «بيد الإخوان المسلمين» وتصبح «دولة إسلامية»!

تاياني هو سياسيّ مخضرم محسوب على اليمين المحافظ الأوروبي (حزب فورزا إيطاليا الذي أسسه رئيس الوزراء سيئ السمعة سيلفيو برلسكوني) وسبق له أن شغل مناصب عديدة أهمها رئاسة البرلمان الأوروبي، وكان ضابطا ومؤيدا لعودة الملكيّة، ويتضمن تاريخه علاقة بفضيحة انبعاثات سيارات فولكس فاغن، وتصريحات معادية للأجانب والأقليات، وأثارت مقابلة له في عام 2019 جدلا بعد حديثه عن «الأشياء الجيدة التي فعلها (الزعيم الفاشي بنيتو) موسوليني».

هذه السيرة المهنية أهلته، على ما يظهر، لمنصب وزير الخارجية في حكومة جورجا ميلوني، والتي فازت في الانتخابات الإيطالية الأخيرة عن حزب «أخوة إيطاليا» وهو حزب يميني متطرف له جذور فاشية جديدة، وتتصف سياساته بالشعبوية والتعصب القومي، وطبيعي في هذا التيّار الأوروبي الذي يقوم على معاداة اللاجئين والأقليات في البلدان الأوروبية، أن يتطلع باحترام للأنظمة الشمولية في العالم، وأن يرى في الاتجاهات الدكتاتورية العربية حليفا له.

إحدى النقاط المهمّة في تصريح تاياني الآنف كانت قوله إن «الجميع يتحركون الآن لإنقاذ تونس» ذاكرا، في هذا الصدد، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقد كرّرت ميلوني، بعدها، بعض أفكاره، لكنها أضافت مطالبة إسرائيل والإمارات «مساعدة تونس» وذلك «بهدف المساهمة في وقف الهجرة السرية المتزايدة من السواحل التونسية نحو إيطاليا»!

ما قاله تاياني، حول «الخطر الإسلامي» أضافت عليه ميلوني «خطر اللاجئين» وبينما قصد تاياني بكلمة «الجميع» إيطاليا وفرنسا وأوروبا و«صندوق النقد الدولي» أي المؤثرين السياسيين والماليين، فقد فتحت ميلوني القوس ليضمّ الإمارات، التي تلعب دورا مهما في السياسة الداخلية التونسية، وإسرائيل، التي لم يُفهم كيف ستساعد في مواجهة خطري الإسلاميين واللاجئين، لكنّها تدخّلت مؤخرا في موضوع حادث جربة الذي استهدف سياحا يهودا في تونس.

إحدى الدول التي لم تذكر في هذا السياق، هي الجزائر، التي كان رئيسها، عبد المجيد تبون، قد بادر خلال زيارة إلى إيطاليا، إلى الحديث عن استعداد البلدين «لمساعدة تونس على تجاوز المأزق الراهن» وتبع ذلك حديث من ميلوني تقول فيه إنها ناقشت مع تبون «السيناريوهات المتوقعة في تونس».

أصبح النفوذ السياسي الجزائري واضحا بعد ذلك في تونس، وانعكس على الملفات الداخلية والخارجية (كما حصل في تسريع سعيّد الاعتراف بالنظام السوري وتعيين سفير لتونس في دمشق) وصولا إلى حد حديث لتبون يقول فيه إنه يتحفظ على الحديث عن المساعدات التي تقدمها الجزائر «سرا» لتونس «حفاظا على كرامة التونسيين» ثم حديث آخر عن «مشاركة» بلاده في الحوار الوطني التونسي، وهو ما دفع نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص لانتقاده، وقاد لتصريح من المنصف المرزوقي، الرئيس الأسبق لتونس، يخاطب فيه تبون قائلا: من نصبك وليا على تونس؟

تتقاطع هذه «السيناريوهات» الإيطالية ـ الفرنسية ـ الجزائرية في تأثيرها على تصاعد الاتجاه الدكتاتوري في تونس طبعا مع تأزم الأوضاع العربية، وصولا إلى صراع الجنرالين الأخير في السودان، وكان هذا الصراع، بشكل من الأشكال، انقلابا على الاتجاه الديمقراطي المدني في السودان، وارتفاعا لوتيرة الصراعات الإقليمية، بين أطراف تتفق، في النهاية، على استبعاد الحلول الديمقراطية والمدنية، وتحضر فيها عناصر مثل مرتزقة فاغنر، وجماعة خليفة حفتر، والخلافات المصرية ـ الإماراتية، فيما تغرق عميقا آمال الشعوب وأحلامها.

وسوم: العدد 1033