عن البرجوازية الوطنية وللدكتور سمير التقي كل الاحترام
لا أجد من اللائق ، في فضائنا الثوري، أن ننساق وراء الكثير من الانقسامات البيتية. وأن يتتبع بعضنا الآخر على الكلمة والموقف.
وأجد الدكتور سمير التقي بخلفياته المتعددة وأهمها عندي خلفيته العلمية والثقافية، وهو الطبيب الجراح المثقف متعدد الفضاءات اللغوية ومنها الانكليزية والفرنسية والألمانية ويـُحكى عن الروسية أيضا، أولى بأن يـُتمسك به، ويُصغى إليه، ويستفاد منه، رؤية ورأيا وخبرة وتدبيرا..
وتابعت مقاله الأخير..
"ليس عتبا على البرجوازية بل دفاعا عنها" والذي عنون فيه عنوانا فرعيا "صعود العقائد وانحسار الوطنية"
فأحببت أن أتعاطى معه في نقطتين فقط…
النقطة الأولى في بكائه على البرجوازية الوطنية أو استدعائه لها…!!
أتبكي على لبنى وأنت تركتها..
قد أكون والدكتور تقي متقاربين في العمر، وأذكر حين فتحنا أعيننا في أواخر الستينات من القرن الماضي.. في صقيع إيديولوجية اليسار البعثي في أزيائه المتعددة.. كانت البرجوازية الاقتصادية قد انكسرت تحت سنابك الاشتراكية المزعومة. أما البرجوازية الوطنية بالبعد السياسي فقد تبخرت..أو ذابت فكأنها ما كانت!!
وحين حوّل البعث الإيديولوجي سورية إلى كير متقد، لم يصمد في أتونه إلا الذهب النقي الخالص.. كثير من عقائديي الإسلام وقليل من عقائدي الماركسية، كان على رأسهم المناضل رياض الترك. وكلنا يعلم أين اصطف خالد بكداش.
لن أطيل الحديث على الدكتور سمير أو عنه،؟ بل إن الحامل العقائدي للصبر الوطني الذي يتشكى منه الدكتور سمير في هذا المقال، ظل وما يزال يلهج حتى الساعة بأسماء رجال تلك البرجوازية أمثال: شكري القوتلي وهاشم الأتاسي وناظم القدسي ورشدي الكيخيا وسعد الله الجابري بل ويضيف غير مبالٍ أسماء شعراء وكتاب على الخلفية الوطنية النخبوية، وليس فقط الطائفية..
البرجوازية الوطنية غابت ولم تغيًب، أيها العزيز، وتخلت، ولم تُدفع، وما زال عموم السوريين يفتقدون دورها.. وما زال مكانها في المشهد الوطني السوري شاغرا. والمشهد السياسي في كل الساحات العالمية، مشهد تدافع وليس مشهد تمسيد…تؤخذ الدنيا غلابا. والملك عقيم. والسيفان لا يجتمعان في غمد. وكم على الملك قتل الولد أباه، والأم ابنها.
والحدائق الوطنية في سورية، أيها العزيز يتناوب عليها الصقيعُ، فلا تصمد فيها أوراق النعنع الناعمة، والقيظُ فلا تتماسك فيها أصابع الشوكلاتة سريعة الذوبان، وهكذا كان..وربما هكذا سيكون..
وشعار: سيّدوني واصمتوا، لا مكان له حيث تتزاحم الأقدام. حتى في ظل ديانة السوق لا بد من صراع، وقراع، ورؤوس صلبة، وأذرع مستعدة للعراك..
والنقطة الثانية، ثم من غير الإنصاف أيها العزيز أن نسوّي بين حامل المطرقة، وبين الصامدين فوق السندان..
نعم قد يكون كما أفدتم حامل المطرقة العقائدي، صاحب العقيدة المنحرفة، من أشد الناس، وقد تجلى هذا مثلا في رهبان محاكم التفتيش وفي النزعتين النازية والفاشية، ثم في شخصية ستالين البروليتارية، وفي لابسي عباءة التشيع من قرامطة تاريخيين وأسديين ورافضة معاصرين..
ولكن أليس من الظلم أيها الطبيب الجراح المفكر المثقف… أن نقارن موقف العقائدي حامل الساطور، والعقائدي الصامد تحت المطرقة، أو في جوف الأتون..!!
حملة العقائد من الإسلاميين في سورية، حاولوا أن يسدوا مسدا خلّفه غياب البرجوازية الوطنية التي تستدعونها اليوم في خطابكم، ولا ننكر استدعاءها، بشرط أن تكون أوضح انتماء، وأصدق تمثيلا، وأكثر سدادا، وأوضح رؤية..
تلك القاعدة العريضة من الجماهير التي أصرت أن تكون حصن الهوية والوطن والوطنية، حين خذل الخاذلون، وتوارى المتوارون…
نعم نحن نحتاج إلى هذه النخب التي تسمونها البرجوازية، وربما يمكن أن نختار لها عنوانا أكثر أناقة وأعم دلالة.. ولكن ليس على خلفية إدانة من صبر واحتسب وقدم..
وأخيرا أليس من الخلل البنيوي في خطابكم أن تجعلوا من العقائدية نقيضا للوطنية، أو من الوطنية نقيضا للعقائدية، وأنتم تقصدون أو لا تقصدون.. هل حقا أنني لا يمكن أن أكون وطنيا حتى أخلع أو أكفر…
سلّمت عليك كل دول أوربة الوطنية التي ما زالت تفخر بانتمائها: إلى النادي المسيحي!!
يقول سُراتنا لسَراتنا أن يعبروا
وسوم: العدد 1125