التعرض للملاهي الليلية وروادها في المدن السورية... القضية أكثر تعقيدا
ولأنني من الجيل الذي ينتمي إلى الفقه أو الفكر المنشئ للازدواجية القائمة أو المتخيلة؛ سأعرض القضية، بلغة أكثر حيادية، وسأحاول أن أكون أكثر وضوحا، وهذا لا يعني أنني سأعبر عن رأيي من المجريات بوضوح، كما أن هذا لا يعني أنني لن أستخدم لغة البيان العربي فأقول ابتداء: إن زرعنا الوطني في ظل حكومتنا المأمولة يجب أن يسقى بماء واحد، مهما تعددت البساتين.
وأعود..
لأؤكد أولا إدانتي لأي أذى لحق بالإنسان، فالذين أفتوا بتكسير آلة الزمر، أو آنية الخمر، لم يفتوا بإلحاق الأذى بالإنسان.
ثم وبما أن الواقعة وقعت في دمشق، فلقد كان في فقه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى غنى، عندما قرر بحق التتار الذين يسكرون على ضفاف بردى بأن "سكرهم أقل مفسدة من صحوهم" تراجع المسألة بحيثياتها، فنهى عن نهيهم عما هم فيه.
ثم ثالثا..
ومع تفهمي لتصرفات الذين تصرفوا، ولبواعثهم، ودوافعهم، وأبعاد ما نسميه غيرتهم؛ أعتقد أن هذه المشاعر والمواقف لم تبدأ من عندهم، ولم تستمد شرعيتها من ذوات أنفسهم!! وإنما وراء الجدار والمسمار مطرقة بيد طارق يطرق…
ثم مع تفهمي رابعا لطروحات الذين خافوا وتخوفوا أو غضبوا وأنكروا أو نددوا وشجبوا.. فإنني مع كل ذلك أقرر أن الحكومة السورية القائمة، أو الدولة الوطنية المنشودة؛ ستكون أمام قضية مركبة أكثر تعقيدا..
وحين تعتقل قوات الأمن العام اليوم هؤلاء الشباب، توقفهم، تحاسبهم، أو تعاقبهم!! ولكن الحقيقة أن المشكلة لم تبدأ عند هؤلاء الشباب…ولن تنتهي باعتقالهم أو معاقبتهم.
وإنما المشكلة تبدأ في الخطاب المنشئ لهذه المشكلة… وهو خطاب كثير منا ينتمي إليه ويعتز به!!
وقد عايشنا هذا الخطاب، وكنا من المنفعلين به تارة، والحاملين له أخرى…
المشكلة ليس في قرار حكومة أو إدارة، وليس في سلوك مجتمعي مشرعن بقرار حكومة أو إدارة، وإنما المشكلة الرئيسية في هذا الازدواج بين ما يقرره العالم المعلم في المسجد، أو في المدرسة، وبين ما يقرره الوزير المقرر على كرسي وزارته.
يقرر العالم المسلم على العرندس أن إنكار المنكر باليد وباللسان وبالقلب واجب حسب الإمكان.. ويخرج شاب من المسجد فيجد بنت الحي قد كشفت عن فخذيها وليس فقط عن ساقيها "الفخذ ما كان فوق الركبة" فتأخذه الحمية فيلجأ إلى زجاجة الحبر أو إلى الماء الكذاب. ويسمع صوت المزمار من الملهى، فلا يقبل أن يسد أذنيه فقط كما ينسب إلى سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما، بل يُهرع إلى كسر رأس نافخ المزمار…
وحين أتصور بغداد في عهد هارون الرشيد وبنيه الأمين والمأمون والمعتصم، وأقرأ الأخبار الموثقة، ليس من كتاب الأغاني، بل من مثل عيون الأخبار، قيل عن مؤلفه وكان لأهل السنة كما الجاحظ للمعتزلة، وأبلع ريقي مرارا لأدفع العجب..وأعلم أن كل خلفاء بني العباس كان يدعى بابن عم رسول الله.
وأعلم أن أبا نواس، وما أدراكم ما أبو نواس؟؟!!، لم يكن في تاريخ بغداد واحدا، بل كان في رهط منه ثلة المخانيث من مثل حماد عجرد ومطيع إياس ومن ورائه كما يقولون ابن برد بشار…
عهد الرشيد يلحق بالقرن الثالث من خير القرون، وإدارة الازدواج بين أبي نواس وأبي العتاهية أو وأبي حنيفة رحمه الله تعالى، وفريقه فن، قد لا يقدر على تصوره رجل مثلي، وإنما يستطيع فقط أن ينبه عليه…
ندائي فقط للقائمين على الأمر عالجوا المشكلات في جذورها ومن جذورها…وانا أدعو لجميع السوريين بكثير من الوئام…
إدارة المتفق صعبة، أما إدارة المختلف فأشد صعوبة.. وأخطر أثرا لو كنا نعلم. في عهد المأفون كنت أكتب: لو كنتم تعلمون!!
وسوم: العدد 1125