معاناة غزة ومشاهد العزة

عبد العزيز كحيل

منذ أيام مرت ذكرى عاشوراء، وعاشوراء ليست شيئا من الماضي، هي أمامنا، تدور رحاها في غزة حيث مسلمون محاصرون، البحر من ورائهم والعدو المتجبر الطاغي يطوّقهم، يقصفهم ويمنع عنهم الطعام والشراب والعلاج، ليس لهم إلا الله، لعل الله تعالى يفلق لهم البحر كما فلقه لموسى و يهلك عدوهم بجنده الأخفياء كما أهلك فرعون وهامان وجنودهما، وفرعون اليوم يتمثل في الكيان الصهيوني والأنظمة الوظيفية وسلطة رام الله وكل من خان المرابطين والمجاهدين، والمطلوب منا في الذكرى ليس لطم الخدود ولا قطع الجيوب وإنما الدعم القوي لغزة والاستعداد بالأمل والعمل ليوم الحسم الذي ينصر فيه الله عباده المؤمنين..."ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا"...ولعل البداية بهذا التحوّل الكبير في الرأي العام العالمي، فالشعوب الحية مستمرة في فعاليات ثقافية، سياسية، برلمانبة، شبابية لتأييد غزة وفضح الكيان، فعاليات في أمريكا الشمالية والجنوبية وأروبا الغربية وأستراليا ودول آسيا الديمقراطية، هذا في حين أن الشارع العربي منشغل كالعادة بالكرة والمهرجانات الغنائية، أما الجامعات فهي مع حفلات التخرج المخجلة.

ولنا أن نتساءل: من هؤلاء الذين أذلوا العدو في غزة فصار يصبح ويمسي على الضربات الموجة والكمائن المحكمة والخسائر البشرية التي لا يمكنه إخفاؤها؟ أهذا أداء بشر محاصرين منهكين مطوقين جوا وبحرا وبرا؟ يكمن السر في الإعداد الدقيق والتأييد الإلهي الواضح، إنها خوارق يُكرم بها الله عباده المؤمنين و يعجز العملاء والجبناء عن تفسيرها وتصديقها...أبناء غزة هم جند الله الذين يستحقون مزيدا من الدعم المالي والإعلامي، وقد أثلجت صدورَا – نحن القاعدين – صورة ذلك القسامي الذي صعد على ظهر الدبابة "التي لا تُقهر" وفجرها وانسحب سالما معافى، فقارنوا بينه وبين ذلك اللاعب "العالمي" الذي يتقاضى المليارات من أموال الأمة، وذلك المطرب الذي يسحر الجمهور، وتلك المؤثرة التي تسُوق الألوف وأجيبوا عن السؤال: في أي صف يوجد أبناء العرب والمسلمين؟ هنا أو هناك؟

إن الإنسان هو معجزة غزة الكبرى لأنه تحرر من الخوف، ترى الطفل تنهار عليه بناية بأكملها فيخرج من تحت الأنقاض رافعا راية النصر، وهذا ما يؤرق العدو الذي يريد قتل جذوة المقاومة والرفض، كما يزعج الأنظمة الوظيفية التي أخلدت إلى الأرض وأصبحت لا طاقة لها بأي كلام عن الجهاد ومنازلة الصهيونية المتوحشة، فاستمرأت الذل والعجز بمباركة علماء السوء.

ومما يرفع المعنويات هذه التسريبات المؤكدة من داخل الكيان الصهيوني التي توثق حجم الدمار الذي أصاب المنشآت الحيوية العسكرية والمدنية ومقتل عشرات الجنرالات بفعل الصواريخ الإيرانية أثناء الحرب، تسريبات تبنتها وسائط صحفية غربية محترفة وخبراء أمريكيون وأوربيون ذوو مصداقية، ولولا طوفان الأقصى ما رأينا تل أبيب تحترق ولا استمتعنا بمشاهد إخراج العدو للضحايا من تحت الأنقاض، ولو تحركت دول الطوق لكانت بداية نهاية الكيان الصهيوني لأن اليهود يتحملون ضربهم بحجارة الأطفال لكنهم لا يطيقون الصواريخ المتطورة التي تملؤهم رعبا والتي لا عهد لهم بها منذ قيام دولتهم اللقيطة، وقد وثقت الأخبار استمرار هروبهم بعشرات الألوف من فلسطين المحتلة، فأبطال غزة من هنا وصواريخ إيران من هناك كفيلة برسم نهاية العدو لولا خيانة الأنظمة الوظيفية واستسلامها للعدو من أجل البقاء في الحكم، هذا لأن الأعداء خيروا هذه الأنظمة الوظيفية بين الحرب والعار فاختارت العار ثم أحبت العار ثم علقت في العار ثم فلسفت العار بمساعدة "النخبة المثقفة" التي تركت ساحة التوعية لتنخرط في جوقة التطبيل، ثم قالت العار حكمة فقال علماء السوء صدق الله العظيم...والخلاصة أنها ستجني الحرب والعار معا... ومن مشاهد العار هذه الأخبار ذات الصلة بغزة:

- السلطات المصرية تلقي القبض على طبيبة عمرها 67 سنة بتهمة دعم قافلة لكسر الحصار.

- الأردن يعتقل المراقب العام للإخوان (بلا أي تهمة) ويحكم بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة على عدة أشخاص بتهمة دعم المقاومة.

- صحيفة "يديعوت أحرنوت" تنقل عن مسؤول أمني في السلطة الفلسطينية أن ميليشيا "أبو شباب" التي تحارب حماس في جنوبي قطاع غزة تتلقى الدعم مما يسميه "إسرائيل" ومن السلطة الفلسطينية ومحمد دحلان المقيم بالإمارات، وعناصر الميليشيا يتلقون رواتب من السلطة الفلسطينية برعاية المسؤول في جهاز المخابرات الفلسطينية بهاء بعلوشة.

- جامعة الرباط بالمغرب نظمت في 6 جويلية ملتقى حضره "علماء" صهاينة يبرر فيه أحدهم الحرب على غزة ويصف حماس بالمنظمة الإرهابية".

- نظام بني سعود ينفذ حكم الإعدام في الصحفي تركي الجاسر بتهمة الإرهاب بعد سجنه لمدة سبع سنوات، الصحفي معروف بدعمه للمقاومة وتأييده لقضية فلسطين ورفضه للتطبيع والتصهين...وهي تهمٌ كافية لإعدامه في دول محور الشر.

- الجزائر تفعلها وتكسر "طابو" كبير وتطالب في مجلس الأمن بإخضاع النشاط النووي للكيان الصهيوني للمراقبة الدولية، وهذا شيء لم تتجرأ عليه دولة في العالم، فالتحية لممثل الجزائر الجسور الشجاع.

وبعد أيها المحب لغزة وفلسطين تريد المساهمة في الجهاد ضد الصهاينة؟ يمكنك ذلك وأنت أمام جهازك وتحصل على ثواب المجاهد إن شاء الله، قال تعالى في سياق الحديث عن الأعمال الجهادية "ولا يطئون موطنا يغيظ الكفار (...) إلا كتب لهم به عمل صالح"... فإغاظة الكفار المعتدين بنية المشاركة في الجهاد مقصد شرعي، والمسلم يستغل الوسائط الاجتماعية لنشر كل ما يغيظ الكفار ويشعل نار الحسرة في قلوبهم، يشارك الأخبار الصحيحة والصور التي تبين ما يصيب العدو من دمار وهروب وحياة في الملاجئ والخيام، وكذلك تصريحات الغربيين ضد الكيان، قال تعالى في مقابل إغاظة أعدائه "ويشف صدور قوم مؤمنين"....وهذا – في هذا الوقت - أفضل من الخوض في الخلاف بين السنة والشيعة.

وسوم: العدد 1128