دور الأفراد في ريادة المجتمع والأمة

حشاني زغيدي

قبل أن أشرع في كتابة هذه الأسطر، استحضرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

«مثل المؤمنين في توادِّهم وتعاطفهم وتراحمهم؛ مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى»

(رواه مسلم).

وحديثه الآخر:

«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا»

(رواه البخاري ومسلم).

إنها أحاديث ترسم بوضوح الدور التشاركي للفرد في جماعة المؤمنين، وتشحنه بطاقة روحية وأخلاقية تدفعه للمساهمة في قضايا أمته ونهضتها. إن انشغال الفرد بقضايا وطنه ليس تفضّلًا، بل مسؤولية حضارية وأخلاقية، يضع فيها خبراته وجهوده ضمن منظومة جماعية تسعى للارتقاء بالأمة.

شرف الريادة مسؤولية لا امتياز فقط

لقد خص الله هذه الأمة بميزة استثنائية عندما قال تعالى:

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾

[آل عمران: 110]

هذه الخيرية ليست شعارًا، بل تكليف ومسؤولية للارتقاء، فـ"الريادة" لا تنبع فقط من خطاب الهوية، بل من حجم الإسهام الواقعي في بناء الحضارة، وتوفير البدائل النافعة، وصناعة الإنسان القادر على حماية القيم وتمكين العدالة.

أولًا: التحديات التي تواجه الأفراد

ليس الطريق إلى النهضة مفروشًا بالورود؛ فالفرد يصطدم بعقبات كثيرة، منها:

إن الاعتراف بهذه التحديات لا يُضعف الطموح، بل يُعزز الواقعية، ويفتح باب التفكير في الحلول العملية.

ثانيًا: آليات صناعة الفرد الرائد

لكي ننجح في إطلاق طاقات الأفراد، يجب أن نؤسس منظومة تربوية تصنع شخصية متكاملة، ونسأل هنا:

إنها منظومة متكاملة، لا تعمل إلا إذا اجتمعت على رؤية واحدة: صناعة الإنسان النهضوي.

ثالثًا: التكامل والتنسيق بين الأفراد والمؤسسات

لا يمكن لفردٍ مهما كان نبيها أن يحمل مشروع النهضة وحده. النجاح يكمن في التكامل بين:

لابد من آليات تنسيق فعّالة، مثل:

رابعًا: نماذج ملهمة عبر التاريخ

تاريخنا الإسلامي زاخر بنماذج تجسد دور الفرد في النهضة:

خامسًا: حدود الفرد في بيئة مضطربة

علينا أن نكون صريحين: الفرد قد يُحبط إذا وجد مؤسسات عاجزة أو فاسدة.

هنا تتجلى قيمة النية والمثابرة، فحتى في البيئات المريضة، يظل الفرد المخلص قادرًا على زرع بذور التغيير في محيطه المحدود.

قد لا يغيّر الدولة، لكنه يغيّر نفسه وأسرته ومجتمعه المصغّر، وكل نهوض كبير يبدأ من دوائر صغيرة.

سادسًا: الأصالة والعدالة كقيم نهضوية

لا تنهض أمة بدون قيم حاكمة.

الفرد حين يُنفق من جهده ووقته دفاعًا عن هويته، أو حين يُطالب بعدالة اجتماعية أو سياسية، فإنه لا يؤدي فقط "واجبًا"، بل يرتقي إلى مقام الريادة الحضارية.

خاتمة: من الحبر إلى الفعل

إن مشاريع النهضة لا تُقاس بحجم المقالات ولا الشعارات، بل بمدى حضورها في الميدان.

دور الأفراد محوري، لكنه مشروط بوعي، تنظيم، واستيعاب.

والأمل أن تستوعب مؤسساتنا الطاقات الفردية لا أن تقمعها، وتوجّهها في مسار مشاريع نفعية شاملة، تُسهم في صون هوية الأمة، وتحقيق كرامتها عبر قيم المعرفة، الأصالة، والعدالة.

وسوم: العدد 1128