انهيار منظومة القيم في العالم وتبخر وهم الديمقراطية عند الأوصياء عليها وافتضاح كيلهم بمكيالين بخصوص جرائم الإبادة الجماعية في فلسطين المحتلة

إذا ما انطلقنا من المقولة  المشهورة المبسطة  لمفهوم الديمقراطية وهي :" حكم الشعب نفسه بنفسه " والتي  يتم التعامل معها كمسلّة أو كبداهة، فإننا سنحتار في أمر التوفيق بينها وبين الواقع المعيش إذ لا يوجد شعب من شعوب المعمور في العالم بأسره  سواء المتقدم الذي يفاخر ويتبجح بأنه محضن الديمقراطية والوصي عليها أو المتخلف الذي يحاسب و يعاقب إذا لم يحترمها ولم يطبقها  يمكن القول أنه يحكم نفسه بنفسه حقيقة ، وإنما يتعلق الأمر بلعبة تختلف أساليبها من قطر إلى آخر ، وهي في نهاية المطاف تنعت بالديمقراطية  عند الجميع بالرغم مما  يتعريها من مثالب ، ومهازل.   

وإذا ما انطلقنا من الحكمة المأثورة والمنسوبة لابن عطاء الله السكندري : " من يدّعي بما ليس فيه كذّبته شواهد الامتحان " لزمنا أن نعرض مسلمة أو بداهة الديمقراطية على الواقع المعيش ، الشيء الذي يسقط  عنها صفة المسلمة أو البداهة ،لأن  الواقع  يحكم بغير ما يدعيه  الأوصياء عليها ،و المفاخرون والمتبجحون بها ، والمزايدون بها على غيرهم .

وكل من لم يقتنع  بتكذيب الواقع لما يدعيه هؤلاء الأوصياء عليها في الغرب ،فعليه أن يتابع كيف  تتعامل أنظمته مع شعوبه حين تخرج إلى الشوارع في مسيرات ومظاهرات مليونية احتجاجا على تورطها  في مساندة ودعم الكيان الصهيوني الذي يرتكب جرائم إبادة جماعية فظيعة  في حق الشعب الفلسطيني تقتيلا ، وتجويعا من أجل تهجيره قسرا من أرضه التي احتلتها هذا الكيان بالقوة حين جلب إليها من كل أصقاع العالم  من طرف الاحتلال البريطاني، وبمباركة من دول  احتلال أوروبية أخرى كانت بدورها تحتل بلدانا عربية ، فضلا عن مباركة الولايات المتحدة .

 ولو كانت الديمقراطية تطبق حقا في بلاد الغرب سواء في القارة العجوز أو في شمالية القارة الأمريكية وهي البلاد التي تنعت بالديمقراطية لعاد الأمر إلى شعوبها كي تقرر ما الذي يجب  أن يكون  عليه موقف أنظمتها من هذه الإبادة .

   والحالة أنه عوض أن يتناغم موقف هذه الأنظمة مع موقف شعوبها الرافضة للإبادة  كي تتحقق الديمقراطية بالفعل من خلال ممارسة  حرية الرأي ، وحرية التعبير ، فإنها تعتمد أساليب  القمع التي تنكرها على الأنظمة المستبدة المعروفة بمصادرة حرية شعوبها رأيا وتعبيرا تحت ذرائع واهية تستعمل لتبرير الاستبداد بل قد تكون أساليب إدانة وتجريم .

ومن الغريب أن تعتبر الأنظمة الغربية  مسيرات ومظاهرات شعوبها ضد الإبادة الصهيونية للفلسطينيين جرما تسميه " معادة للسامية " ، وكأن السامية لا زلت مضطهدة من طرف النازية ،علما بأن الكيان الصهيوني طالما تاجر، وارتزق ، وابتز العالم بأسره بهذه المقولة  لتحقيق مكاسب حتى فوجئت شعوب العالم الغربي بأنها طالما خدعت بها  ، وأنها لا تحكم في الواقع نفسها بنفسها  عندما خرجت لتدين  الإبادة ،  وتندد يكيل أنظمتها بمكيالين بخصوصها .

وعمليا  وواقعا لا تعتبر الأنظمة الغربية الإبادة الجماعية سوى تلك التي تعرض لها اليهود في فترة  الحكم النازي ، بينما ترفض  اعتبار  ما يفعله الصهاينة بالفلسطينيين إبادة ، بل أغرب من ذلك تعتبر الصهاينة  في حالة دفاع عن النفس ، وهو ما يعني تعمد إنكارالإبادة ،  بل أكثر من التورط الفاضح فيها من خلال   إمداد الكيان الإجرامي بالآلة الحربية المدمرة، و بكل أنواع الدعم سياسيا ،وعسكريا ،واستخباراتيا ....  

ولقد كان من المفروض ألا  تجند أنظمة بلاد الغرب التي تعتبر نفسها وصية على الديمقراطية في العالم  وهي تباهي بذلك  شرطتها،وقوات مكافحة الشغب لقمع مسيرات ومظاهرات شعوبها المليونية سبمية وهي المنخدعة بشعار الديمقراطية الصورية الزائف زمنا طويلا . ولما كانت هذه الشعوب لا تعرف إلا معنى واحدا ووحيدا للإبادة الجماعية حيث تتساوى كل الأعراق البشرية في إمكان وقوعها ضحيتها دون تمييز بينها ، فإن لأنظمتها  فهما آخر للإبادة حين يكون الممارس لها هو الكيان الصهيوني العنصري الذي يعتبر نفسه أرقى الأعراق البشرية  ،اعتمادا على أساطيره التلمودية، ولهذا أدينت كل تلك المسيرات والمظاهرات  المليونية في بلاد الغرب تحت ذريعة " معاداة السامية " التي نكرر أنه طالما تاجر، وارتزق ، وابتز بها  هذا الكيان  العالم بأسره ، ولا زال  يفعل.

وهكذا انهارت منظومة القيم  في عالم اليوم الذي يقوده الغرب ، وتبخر تباهيه بوصايته على الديمقراطية ، وافتضح كيله بمكيالين بخصوص جرائم الإبادة  المكتملة الأركان ،والتي صارت حكرا على العرق الصهيوني زمن النازية  دون غيره من الأعراق البشرية .

ولقد دللت الإدارات الغربية الكيان الصهيوني  المارق دلالا  لا حدود له ، فهو يعتدي ، ويحاصر، ويقتّل ، ويجوّع ، ويهجّر ، ويباهي بطول  يده بالعدوان في كل ربوع المعمور دائسا  بغطرسة عنجهية على كل القوانين  والأعراف الدولية ، وعلى كل القيم والأخلاق الإنسانية دون وجود من يحاسبه أو يمنعه  أو يردعه ، لأن تلك الإدارات الداعمة له يل والمتورطة معه في إجرامه تكيل بمكيالين الشيء الذي شجعه على الإصرار والتمادي في عدوانه ، وطغيانه  .

ومن المهازل المثيرة للسخرية  أن تعج أصوات  ممثلي ملايين المواطنين في برلمانات الغرب منددة  دون أن يكون لذلك  أدنى تأثير أو رد فعل، ودون أن تشعر الأنظمة في تلك الدول بأدنى حرج أو وخز ضمير لكونها تؤيد كيانا مارقا ، وتدعمه ، بل تشاركه  في جرائمه ضد الإنسانية من خلال تمويله ، وتسليحه ، وتدريبه ، ووضع كل إمكانياتها تحت تصرفه متى شاء ذلك ، وبكل سخاء .  

وإذا كان هذا حال شعوب البلاد التي تدعي أنظمتها الوصاية على الديمقراطية في العالم  ، فلا داعي للحديث عن شعوب العالم الثالث التي تتظاهر أنظمتها باحترام الديمقراطية تحت ضغط وتهديد ، وابتزاز الدول التي تدعي الوصاية عليها مع علمها بحقيقة وضع الديمقراطية فيها  . ولقد وجدت أنظمة العالم الثالث في تعامل الأنظمة الغربية مع شعوبها المنددة بالإبادة الصهيونية للفلسطينيين مبررا لما درجت  هي عليه  من قمع وتضييق على حرية التعبير عند شعوبها  ومصادرتها ، ومنعها من التجمهر والتظاهر سلميا .وهكذا لم يعد يوجد فرق بين الدول الوصية على الديمقراطية  والمباهية بها ، وبين تلك التي تعدمها أصلا ،  وتحاسب عليها من طرف  الدول الوصية عليها، وتدان بسبب تعطيلها ، بل تبتز  بها، حيث تصير موضوع مقايضة بينها وبين بقاء أنظمة العالم الثالث في السلطة .

وأخيرا نتساءل هل يوجد في الأفق ما يبشر بتغيير ملامح عالم اليوم من أجل أن تسود القوانين والأعراف الدولية والقيم الإنسانية ويكون لها  صوت مسموع ، وقوة تلزم  بها كل مارق  متمرد عليها ، أو مستخف بها كما هو حال الكيان الصهيوني اليوم الذي أفسدته الأنظمة الغربية بتدليلها له فوق كل الحدود  حتى صار العالم بسببه فوق كف عفريت كما يقال ، و هو ما ينذر بالويل والثبور، وعواقب الأمور .

وسوم: العدد 1128