مات القائد وبقي المشروع
منذ أيام مرت الذكرى الأولى لاستشهاد القائد إسماعيل هنية رحمه الله فتساءلتُ "هل كان الناس يظنون انه سيموت على فراشه كالبعير؟" المشكلة ليست في موته فكل الناس يموتون لكن في الذين منعوا عنه أي عون وأغلقوا أمام حركته كل السبل فلجأ مكرها إلى إيران طلبا للنصرة، وعندما استشهد هناك عيّروه وعيّروها، فتمثلت قول محيي الدين بن عربي:
ألقاه في اليم مكتوفا وقال له *** إياك أن تبتل إياك
فلومُه ظلم عظيم بل اللوم كله على شانئيه الذين لديهم سجل أسود من "الإنجازات" المخزية مثل ما يلي على سبيل المثال:
- كان عبد الناصر يعِدُ بتحرير فلسطين وإلقاء اليهود في البحر...وأرسل في 1962 قواته لقصف...اليمن!!! وأصبحت اليمن هي فييتنام عبد الناصر.
- في 1990 شكلت أمريكا تحالفا دوليا لضرب العراق (وأفتى الشيخ ابن باز أن صدام حسين كافر ويجوز الاستعانة بالكفار لتنحيته) فشاركت دول عربية في ضرب العراق هي: السعودية، مصر ، سورية (التي لم تطلق رصاصة واحدة لتحرير الجولان)، البحرين، قطر، المغرب (التي ما زالت اسبانيا تحتل جزءا من أراضها).
- حدث هذا بعد أن أرسل العراق قواته لتحرير...الكويت (وليس لتحرير فلسطين !!!)
- قيل إنه ليلة هزيمة 5 جوان 1967 النكراء كان المصريون (قيادة وشعبا) منشغلين بحفل أم كلثوم الشهري، وكان الإخوان في السجون (أي من نجا منهم من المشانق).
هل بعد هذا ينتظر عاقل أن تهب هذه الأنظمة لنجدة غزة أو أن تترك الشعوب المهرجانات؟
رحل القائد وعدد من زملائه المجاهدين وبقيت غزة صامدة ثابتة في ظل إبادة جماعية علنية وموقف عربي رسمي وشعبي هزيل إلى درجة أنه لم يعد الصمت عجزا بل هو خيانة، فمتى نعي هذا؟ متى نعي أن دول الطوق هي التي تجوّع غزة وأن أبطال غزة هم أمل الأمة الوحيد في زمن التغريب والمسخ والتفاهة والمهرجانات الغنائية والحفلات الفنية "البهيجة"؟ يجب أن يتحرك الأحرار لإحياء الأمة التائهة، ولعل البداية هي – من جهة – استفاقة أطراف من النخبة من سكرتهم بخمر النموذج الغربي الذي عكفوا عليه ردحا من الزمن واعتبروه نهاية التاريخ حتى نزلت عليهم مطارق النفاق الغربي وازدواجية معاييره وكذبه الصريح المغلف بشعارات حقوق الإنسان والعدل والإنسانية واصطفافه الواضح مع المشروع الصهيوني التخريبي اللاإنساني، ومن الجهة الأخرى إشارات صحية من هنا وهناك لبعض الشعوب العربية الحية التي أبهجتنا بالفعاليات المتنوعة لنصرة غزة مثل ما يحدث في اليمن والمغرب الشقيق، كما سرّتنا هبّة الجزائريين بعد كلمة أبي عبيدة الأخيرة وإقبالهم رجالا ونساء على دعم غزة ماليا بقوة، وكم أتمنى أن يقاطعوا المهرجانات الفاسدة ويحيوا الشارع تضامنا مع القطاع كما هو حال الأحرار في اليمن والمغرب والدول الغربية.
وفي هذا السياق لا بد من الالتفات إلى السؤال المتكرر: هل تصل تبرعات الجزائريين غزة؟
المرجفون يتخذون هذه المسألة ذريعة للاستمرار في شيطنة المقاومة ومن يصطف معها لكن هذا يعنيني هنا وإنما أكلم الشرفاء الذين يطرحون سؤالا مشروعا عن كيفية إيصال الدعم إلى القطاع في ظل الحصار الفروض عليه من العدو ومصر والأردن فأقول:" أيُعقل أن تقوم جمعية البركة والجمعيات الجزائرية الأخرى بكشف الطرق التي تسلكها لإيصال التبرعات في ظل تتبع أمريكا والكيان لجميع تحركاتها؟ ليست أمريكا هي الرب الذي يسيّر الكون في كل صغيرة وكبيرة، لذلك تسلك الجمعيات أساليب يتيحها رب العالمين من غير المعقول الكشف عنها حاليا، على المؤمن الصادق مع القضية أن يثق في جمعيات ملتزمة تعمل بطرق شرعية قانونية شفافة تماما ويسأل نفسه ليطمئن أكثر "كيف يصل السلاح والذخائر غزة ولولاه ما استمر الطوفان؟" وليتذكر ان السلاح والذخيرة كان يصل المجاهدين أثناء حرب التحرير رغم خطي شال و موريس، أما من لم يطمئن لعمل الجمعيات فهو حر في عدم التعامل معها لكن أذكره بقول الله تعالى "ولولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا".
ويبقى المطلوب من جميع الأحرار ألا يتركوا الأعداء ينعمون بالأمن بل يجعلونهم يعيشون في الملاجئ، يفرون من فلسطين المحتلة، يبغضهم العالم كله، يجب ملاحقتهم أينما وجدوا وتحويل الكيان إلى دولة منبوذة تماما وهذا من خلال كل ما أمكن من الفعاليات، من الحملات الإعلامية الكاشفة للعدو إلى المظاهرات والمسيرات والاعتصامات أينما أمكن ذلك مرورا بالدعم الإعلامي الفاعل للمقاومة.
وأذكر المترددين بهذا: قالوا لشيخ الإسلام ابن تيمية كيف نقاتل التتار وقد فر السواد الأعظم من الناس ولم يبق معك من المسلمين إلا القليل؟ فقال إذا كانوا هم السواد الأعظم فنحن البياض الأعظم...فغزة تحيي سيرة ابن تيمية.
وسوم: العدد 1130