رئيس قسم التاريخ والآثار في جامعة الملك خالد محمد بن غرمان العمري يزور مع بعض طلابه
( مؤرخ تهامة والسراة: غيثان بن علي بن جريس في منزله بأبها وكتب هذا المقال )
أ .محمد بن غرمان العمري
جامعة الملك خالد تسعى إلى خدمة المجتمع على شتى المستويات، وتبذل جهودًا جيدة في خدمة المجتمع. ولا يتسع المجال لرصد جهود ونشاطات هذه المؤسسة التعليمية العالية، فلها الكثير من الأعمال المحلية والإقليمية، ومن يكتب تاريخها فسوف يجد منجزات كثيرة وكبيرة تخرج في مجلدات عديدة.
هذا المقال يرصد نموذجًا صغيرًا لإسهامات جامعة الملك خالد خارج أسوارها الجغرافية والأكاديمية، فهذا رئيس قسم التاريخ والآثار في كلية العلوم الإنسانية بالجامعة الدكتور غرمان بن عبد الله بن غصاب الشهري يقوم على تدريس طلابه في مادة (انتشار الإسلام في العالم)، ومن ضمن المراجع التي قررها على الطلاب كتاب لأستاذه؛ الأستاذ الدكتور غيثان بن علي بن جريس، الموسوم بــ: ( الوجود الإسلامي في أرخبيل الملايو: إندونيسيا وماليزيا أنموذجًا ) . (ق1ـ ق7هـ/ق16م).
وفي أثناء متابعة الدكتور غرمان لطلابه في هذه المادة، وجميعهم من مناطق جنوب المملكة العربية السعودية، طلبوا منه الالتقاء بصاحب الكتاب ابن جريس. وللعلاقة الجيدة والطويلة بين الدكتور ابن غصاب وأستاذه ابن جريس وعدهم بالإعداد والترتيب لذلك، وتمت زيارة الدكتور غيثان بن جريس (مؤرخ تهامة والسراة) في منزله بحي المنسك في أبها يوم الأحد (9/2/1447هـ الموافق 3/8/2025م)، وامتد اللقاء من الساعة (7ـ11,30) مساءً.
الأستاذ الدكتور غيثان بن علي بن جريس، أستاذ مخضرم، وابن قسم التاريخ في مدينة أبها منذ تأسيسه عام (1396هـ/1976م) واستمر طالبًا، ثم معيدًا، فأستاذًا في هذا القسم حوالي خمسين عامًا (1396ـ1444هـ/1976ـ 2023م). فرغبة طلاب الدكتور غرمان (رئيس قسم التاريخ والآثار) مقابلة هذا الأستاذ السعودي السروي والجلوس معه لم تأت من فراغ، فهو من أهل البلاد، وعاصر وعمل في مجال التعليم الجامعي منذ شبابه إلى كهولته. ثم إن الدكتور غرمان بن غصاب أحد أبناء وطلاب الدكتور غيثان بن جريس، فلم يكن هناك صعوبة في تحقيق رغبة وطلب الطلاب، للصلة التي بين الإثنين (ابن جريس، وابن غصاب) فتلك صداقة وود وتقدير واحترام.
يحسب للدكتور غرمان بن غصاب، كونه رئيس قسم التاريخ والآثار في هذه الجامعة الرائدة (جامعة الملك خالد)، أن يحقق رغبة طلابه ويزورون هذا المؤرخ السعودي الذي أفنى عمره في خدمة العلم والتعليم والبحث، ومازال حتى كتابة هذه السطور، وقد قارب السبعين من عمره، يعمل ويدرس ويبحث ويحقق، ونسأل الله أن يمد في عمره على طاعته، ولا يحرمه أجر وثواب ما قدم لأهله وبلاده ووطنه. كما نشكر الأستاذ الدكتور غرمان على هذا الإخلاص في عمله وخدمة طلابه، وعلى وفائه في الاتصال بأستاذه الدكتور غيثان بن جريس وإخباره برغبة الطلاب زيارته في منزله، وقد وافق ابن جريس على تحقيق تلك الرغبة، واشترط أن يتناولوا العشاء معه، وتم الاتفاق على ذلك.
اجتمع الطلاب مع أستاذهم ورئيس قسمهم في الحي الذي يسكن فيه الدكتور غيثان بن جريس بمدينة أبها، وصلوا المغرب في أحد المساجد القريبة من منزله، ثم دخلوا عند مضيفهم (ابن جريس) وكان في استقبالهم مع بعض أولاده، ورحب بهم أجمل ترحيب، وكان الطلاب من محافظات ومدن عديدة في تهامة والسراة، وقد كانوا فرحين مستبشرين بمقابلة هذا المؤرخ العتيق. دخلوا والدكتور غرمان يتقدم طلابه، وبعد الجلوس وتناول مشروب القهوة تحدث رئيس القسم وذكر أنه يُدرّس الطلاب في مادة (انتشار الإسلام في العالم)، وقد انتهوا من قارة إفريقيا، وعندما بدأوا دراسة قارة آسيا، وجدوا أن كتاب الدكتور غيثان المذكور في بداية المقال جدير أن يكون ضمن الكتب المقررة، وعندما اطلع الطلاب عليه ولخصوا مادته رغبوا زيارة المؤلف والسماع منه، وأيضًا ذكر بعض الآراء والمقترحات عن هذا الكتاب.
هكذا كان قول الدكتور غرمان بن غصاب والهدف من الزيارة، فكرر ابن جريس ترحيبه بهم، ثم رغب الدكتور غيثان ترتيب الحديث والنقاش، لكن قبل ذلك طلب من رئيس القسم تلاوة بعض الآيات الكريمات من كتاب الله، وبعد الانتهاء من التلاوة، فضل الدكتور غيثان أن يقرأ عليهم خلاصة مركزة ومختصرة جهزها لهم عن جنوب شرق آسيا وتحديدًا إندونيسيا وماليزيا موضوع الكتاب (الوجود الإسلامي في أرخبيل الملايو...)، وقد لخص وأوجز ذلك في بضع دقائق، ثم تولى رئيس القسم إدارة الحوار، وبدأ طلابه يذكرون ما توصلوا إليه من قراءة الكتاب، وعند الانتهاء مما جهزوه وكتبوه، بدأ النقاش العام بين الجميع، وطرح الطلاب وأيضًا الدكتور رئيس القسم بعض الاستفسارات والأسئلة على مؤلف الكتاب، وتجاوب معهم وشرح لهم الكثير من الجوانب التي سألوا عنها.
والدكتور غيثان بن جريس ابن المنطقة الجنوبية السعودية، ومن الباحثين في تاريخها وتراثها وموروثها وحضارتها منذ عصور ما قبل الإسلام إلى العصر الحديث والمعاصر، وطبع ونشر مئات الكتب والبحوث العلمية حتى صار يطلق عليه (مؤرخ الجنوب) أو (مؤرخ تهامة والسراة) ومن يطّلع على مؤلفاته المتنوعة وفي مقدمتها: موسوعة القول المكتوب في تاريخ الجنوب (31مجلدًا) يعرف ويتأكد له أنه فعلًا جدير بهذه الألقاب.
نجد المؤرخ غيثان بن جريس ينتهز الفرصة واجتماعه برئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة وطلابه الذين هم من سكان السروات وتهامة، وبدأ يتحدث عن تاريخنا المحلي، وقال: لقد أحضرت لكل واحد منكم هدية عشرة مؤلفات كلها عن تاريخ وحضارة بلدان تهامة والسروات من الطائف ومكة المكرمة إلى جازان ونجران"، وأضاف قائلا "أرجوكم اهتموا بتدوين تراث وتواريخ بلادكم وأهلها، وبخاصة في العصر الحديث والمعاصر، وأحضرت لكم أيضا دعوة وطلب مكتوب"، ثم وزع على كل واحد منهم نسخة من تلك الدعوة.
كان عنوان ونص ذلك الطلب على النحو الآتي: " خطاب ودي لطلاب وقسم التاريخ الذين زاروني في منزلي بحي المنسك في مدينة أبها يوم الأحد (9 صفر /1447هـ): السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد: أرحب بكم وأشكركم على زيارتي مع أستاذكم الوفي الدكتور غرمان بن عبدالله بن غصاب الشهري. وأقول لكم، بارك الله فيكم، أنتم تدرسون وتتعلمون علم التاريخ في قسمكم العريق الذي بدأ عام (1396هـ/1976م). وبلادكم يا أبنائي في حاجتكم علميًّا ومعرفيًّا وتوثيقيًّا، ومن يجد عنده الرغبة والقدرة على كتابة بعض تجاربه ومشاهداته وانطباعاته عن بلاده ومسقط رأسه، وتكون مدونته ذات فائدة علمية تفيد الباحث والقارئ فأرجوا العمل على الاعتناء بهذا المطلب، ثم ترسل لي أعمالكم على رقمي (0503739370) وسوف أراجعها وأدققها ثم أنشر كل عمل تحت اسم صاحبه، وقد أجمع جميع مدوناتكم وتوضع تحت عنوان رئيسي، ثم تجد طريقها للطباعة والنشر ورقيًّا ورقميًّا، أرجو ممن يرغب تحقيق هذا المطلب (المقترح) أن يحرص ويجتهد على توثيق مشاركة جيدة وصحيحة وحيادية ودقيقة. وتكون المادة المكتوبة من المعاصرة والمشاهدات، وليست من مصادر أو مراجع مكتوبة. وكتبه محبكم الداعي لكم بظهر الغيب غيثان بن علي بن عبد الله بن جريس الثوابي الجبيري الشهري الحجري".
انتهى اللقاء بأخذ صورة جماعية، مع أن الاجتماع من أوله إلى آخره تم تسجيله وتصويره، وقبل مغادرة الزوار أهداهم المضيف (ابن جريس) كل واحد منهم مجموعة مجلدات، وجميعها تؤرخ لموضوعات عديدة في تهامة والسراة عبر أطوار التاريخ (القديم، والإسلامي المبكر والوسيط والحديث والمعاصر)، وذهبوا مودعين الدكتور غيثان بن جريس وأولاده.
(*) من هذه الزيارة واللقاء العلمي والاجتماعي بين أساتذة في التاريخ والحضارة والآثار وطلابهم خرجنا ببعض الدروس والفوائد التي نرصد بعضها في النقاط الآتية:
- أشكر الأستاذ الدكتور غيثان بن علي بن جريس الذي حرص على توثيق هذا اللقاء ورقيًّا ورقميًّا، ولا يستغرب هذا العمل من ابن جريس فهو يسعى ويجتهد في حفظ تراث وتاريخ السروات وتهامة من عصر ما قبل الإسلام إلى الآن (1447هـ/2025م)، وقد استمتعت بهذا اللقاء الذي شاهدته في الفيديو الذي أرسله لي الدكتور غيثان، وكذلك نسخة من الخطاب الذي وزع على ضيوفه، بالإضافة إلى ما سمعت منه عندما تحدثت معه على الهاتف، وقد اجتهدت في كتابة هذه الورقات حتى أساهم بشيء يسير من الحراك العلمي والثقافي الذي تعيشه بلادنا (المملكة العربية السعودية).
- نعلم أن الجامعات من المؤسسات المهمة التي تحرص على تنويع جهودها ونشاطاتها الداخلية والخارجية. وهذه جامعة الملك خالد نجد لها حضور في كل مكان لخدمة البلاد والعباد. وما قام به الأستاذ الدكتور غرمان بن غصاب، رئيس قسم التاريخ والآثار، وطلابه من مبادرة علمية اجتماعية وزيارتهم لأحد أعلام البلاد (مؤرخ تهامة والسراة: غيثان بن علي بن جريس) ليس إلا خطوة موفقة ومباركة للاستفادة العلمية من تجارب وخبرات ورحلة. هذا الأستاذ الباحث الذي خدم دينه وبلاده. ونتساءل كيف يكون شعور هؤلاء الطلاب الذين مازالوا في العشرينيات من أعمارهم، وفي بداية رحلتهم العلمية والتعليمية عندما يقابلون هذا المؤرخ الخبير الذي هو أستاذ رئيسهم وأستاذهم. ولا نقول: إلا شكرًا لك يا رئيس قسم التاريخ والآثار، الدكتور غرمان بن غصاب، على هذا العمل، وهذا الدرس العملي الذي يستخلص منه الكثير من العبر والدروس. كما أشكر طلابك الذين طلبوا ورغبوا مقابلة أستاذك الدكتور ابن جريس، وأقول: الحمد لله أن بلادنا ومجتمعاتنا ما زالت بخير، لما يوجد فيها وعند أهلها من الفضائل والقيم والأعمال المباركة والموفقة.
- إن مجتمعاتنا صاحبة مبادئ، ولها تراث وتاريخ جميل فهذا أستاذ وطلابه يزورون أستاذًا لهم جميعًا للسلام عليه، والسماع منه حول أحد مؤلفاته عن انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا. وهذا الإنسان الذي رغبوا زيارته لم يوافق على الزيارة إلا بالجلوس والاجتماع على وجبة بسيطة بعيدة عن التكلف والمباهاة. وقد وافق الزوار على طلب المضيف، وتناقشوا وتدارسوا وسمعوا من بعضهم حوالي خمس ساعات، كانت كلها مثمرة ومفيدة علميًّا وثقافيًّا ومعرفيًّا وبإذن الله (عز وجل) لن يُحرموا جميعًا الأجر والثواب من رب الأرض والسماوات.
- من خلال سماعي للفيديو، وأيضًا قراءتي الخطاب الذي قدمه الدكتور غيثان بن جريس لضيوفه اتضح لي أن هذا الباحث (ابن جريس) يحمل دائمًا هَــــمَّ العلم والبحث وبخاصة ما يتعلق بأرضه وبلاده (تهامة والسراة). ومن يقرأ ويطلع على آلاف الصفحات التي ألفها وطبعها ونشرها يجده يردد أهمية خدمة التاريخ المحلي، ويوصي وينادي الباحثات والباحثين ومؤسسات التعليم العالي بجميع أساتذتها، وكلياتها، وأقسامها، ومراكز بحوثها على ضرورة خدمة ودعم وتشجيع كل عمل بحثي أو علمي له صلة بالأوطان المحلية وأهلها. ونأمل أن هذه التوصيات تجد من يخدمها ويحولها إلى برامج ومشاريع علمية على أرض الواقع.
- وأخيرًا الحمد لله أننا نرى ونسمع ونتشارك مع قدوات ذات عطاءات ومبادرات إيجابية في بلادنا. ويجب أن نكون جميعًا كذلك لأننا نعيش في بلاد مباركة، وتحت قيادة حكومة موفقة تحكم بشريعة الإسلام الصحيحة، وتبذل قصارى جهودها منذ زمن بعيد على بناء وتطوير أرضها وإنسانها، والذي نشاهد من جهود ومنجزات فردية طيبة ومباركة، فذلك من بركات وخيرات ومساعي دولتنا العظيمة (المملكة العربية السعودية) والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على رسول الهدى محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .
وسوم: العدد 1130