إذن صبحكم الله بالخير وبارك فيكم
لقد كانت جملة التعليقات على مقالي عن تحويل دمشق الحبيبة إلى مدينة للمال إيجابية.. حتى الأعزاء الذين اتهموني أن لغتي سلبية!!
أنا لا أعتقد أن حكومتنا العزيزة مثل وعاء الزجاج الرقيق، الذي يكتب عليه سريع العطب…هي أقوى وأبقى إن شاء الله.
لا….الحكومة بحمد الله وفضله أقوى من ذلك بكثير، وستكون أقوى وأقوى عندما ستكون هي وجمهورها، وأنا من جمهورها، مستعدة لسماع وجهة نظر أخرى…
نمت بالأمس وفي نيتي أن أكتب تهنئة لرجال الأمن العام، أقصد للمخابرات الوطنية، التي ألقت القبض على مجرَمين من فلول الأسد الطائفيين، كانوا يسعون إلى تفجير كنيسة في طرطوس، وتلبيسها لما يسمى تنظيم الدولة، وما شاء الله بعض الناس جسمهم لبيس!!
وأنا لا أشك أن وراء المتهمَين خلايا وبلايا..وسنشكر للقائمين على أمرنا إذا هتكوا جحر الأفاعي ونسأل الله لهم العون..
وأعود إلى تعليقاتكم الجميلة على مقالي المخصص لتحويل دمشق الجميلة إلى مدينة من مدن المال والأعمال..
مثلا واعذروني حين يعلق صديق قديم عليّ: أنني أطالب بالعودة إلى عالم الحواصيد، والتوقف عن استعمال الجرار والحصادة.. ومع كل الاحترام لشخص المعلق الكريم، سوف يتصور معي من كان طليق الذهن حجم المشكلة التي نعيش.
لا أستطيع وأنا إنسان فرد أن أتعامل مع هذا الفيض من التعليقات الإيجابية التي يستحق أصحابها التقدير والحوار..
نحن نحتاج إلى عمل كثير، إلى ندوات كثيرة، المستثمر ليس هو "المربعجي" الذي يزرع لك أرضك مقابل الربع، بل هو صاحب المال الذي يحولك في أرضك إلى مربعجي…
سألت عن مهنة الحواصيد..وأسأل عن مهنة الخياطين والخياطات وباعة الأقمشة.. كيف ابتلعتها ورشات التفصيل، هذا ليس رفضا للتطور يا أصحاب.. هذا مطالبة بالتطور المدروس.
في لندن هنا شركات عالمية عندها مولات في كل عواصم العالم المفيد..تؤسس ورشات التفصيل الخاصة بها في بلدان العالم الأشد فقرا..
أنا أول ما تعرفت على المول في سنة 1966 ذهبت إلى فرنسة طالبا، أقمت في مدينة ليون في الجنوب الفرنسي، كان هناك مولان ضخمان "برزينك" و"غراند بازار" وأعلم كيف صادرت هذه المولات أعمال أصحاب الدكاكين. وهذا حاصل هنا في لندن وفي كل عواصم الأرض.
صاحب المول يجلب إلى مركزه السلعة من مصدرها الأرخص، في العالم، ليسوقها على أرضك، يلم ربحه ويمضي. أنت عنده مجرد مستهلك ولست منتجا..
نحتاج إلى ندوات من رجال اقتصاد صادقين لنتفهم هذا، أو ليشرحوه بصدق لنا.
حتى موظفو "الكاشير" بدأ أصحاب المولات الكبيرة يتجاوزونهم، حاسب لنفسك وادفع وامض، حتى أجرة الصالات، فالتسويق اليوم عن بعد، تتابع معرض السلع على هاتفك الخلوي، تطلب السلعة على هاتفك الخلوي، يصلك "الدلفيري" بالوجبة ساخنة، وبالهدمة قابلة لتقيس وتتأمل وإن لم تعجبك ترد…
كل الذي كتبت مطالبا به أن نبدأ من حيث نحن.
أن نتطور من النقطة التي نحن فيها، تطورا لائقا بواقعنا، وواقع مجتمعنا. تجار سوق الحميدية والبزورية وسوق الهال وأمثالهم في المحافظات الأخرى المنسية رجال كرام يحتاجون إلى فرص زمنية ليتأقلموا مع التطور الجديد، لا أن ينزل عليهم المستثمر بالبراشوت، وبإمكانات لا يمكنهم منافستها، في سوق ليس فيها، يا أمي ارحميني…
أسوأ ما في فكرة الاستثمار أن المستثمر يمتص رحيق الوردة، ثم يدوسها ويمضي. المستثمر من معناه اللغوي يريد أن يجني الثمرة.
ومع كل ذلك لم أكتب ضد فكرة الاستثمار بالمطلق..
كتبت ضد الاستثمار الأعمى..أو اسمه إذا شئت الاستثمار المفتوح، الشيك الموقع على البياض، أن تكون فرص المستثمر الغريب في وطننا أكبر من فرص رأس المال الوطني…
رأس المال الوطني دمه منه وفيه.. ومن دهنه تسقيه، أمثال نحفظها فلماذا لا نطبقها. المستثمر ما جناه حوله، ثم تحول..
كتبت ضد أن تساعد الحكومة الآخرين على منافسة أصحاب الأرض على أرزاقهم التي كتب الله لهم.
المستثمر ليس متصدقا بل هو مصّدق. هو جامع الصدقات لمصلحته.
حفر قناة السويس كان مشروعا استثماريا حفره المصريون على قواعد نظام السخرة.
مرة سابعة لست ضد مشروعات الاستثمار تحت سقفنا الاقتصادي…
ولكن لست مع استثمارات تغلق ورشاتنا الوطنية، لست مع استثمارات تتمركز في المركز، وتترك الأطراف تزوي.
10 مليارات في دمشق
أربعة مليارات في ثلاث عشرة محافظة.. هذا ليس ضيق عين من دمشق فدمشق تستحق، ولكن هل ستكون دمشق قادرة على تحمل أن يهاجر إليها سبعة مليون سوري كلهم طالب عمل..
لا تظنوا أنني أبالغ هذا حاصل اليوم في اسطنبول وفي لندن وفي باريس..
كنا نتحدث عن الهجرة من الريف إلى المدينة كواحدة من المشكلات المجتمعية، هذه الهجرة التي تعدم الريف، وتهجر الزراعة، وتنشئ العشوائيات وكانت تجعل مليون سوري يذهبون للعمل في مزارع لبنان وغير لبنان..
من قبل كنا نسمع من الاخوة الدمشقيين أنهم غلبوا على مدينتهم بكلام يشبه كلام ابنة الطباع، ولكن بحق أناس آخرين…
بعد المطار والمترو والأبراج والمولات تسألونني كيف حال دمشق البهية سيكون؟؟
مجتمعنا الخارج من جحيم الأسدين، ومن صحراء الأسدين، بحاجة إلى الكثير.. وربما يكون من أولى الأولويات محو الأمية في فك الحرف، ومحو الأمية الثقافية، ومحو الأمية الاقتصادية والاجتماعية والتدريب على أساليب الحوار القرآني، وأن نتعلم أن السبق إلى الاتهام هو أسلوب أسدي بحت، ويجب أن يبقى كذلك!!
وسوم: العدد 1130