المجتمع الدولي يراقب احتلال إيران لسورية صامتاً

م. عبد الله زيزان

المجتمع الدولي

يراقب احتلال إيران لسورية صامتاً

م. عبد الله زيزان

[email protected]

لم يكن التدخل الإيراني في سورية أمراً جديداً، فمنذ أن انطلقت الثورة هناك لم يحاول الإيرانيون إخفاء دعمهم الكامل للنظام، ووقوفهم إلى جانبه حتى الرمق الأخير، فسورية تعد من أهم البلاد التي سعت إيران للسيطرة عليها منذ الانقلاب على شاه إيران، ووصول الخميني للسلطة، حيث أنّ التنسيق ما بين الأسد الأب وإيران لم يتوقف لحظة واحدة، واستمر حتى وصول الأسد الولد إلى الحكم، مع فارق كبير في طريقة التعامل ما بين الندّية والتبعية...

ورغم تحول العلاقة ما بين إيران وسورية من الندّية (الجزئية) في عهد الأب إلى التبعية الجزئية في عهد الولد إلا أنّ هامشاً من السيادة على البلاد كان لا زال موجوداً حتى بداية الثورة، حيث بدأ حينها التدخل الإيراني يأخذ طابعاً أكثر وضوحاً، فكانت المساعدات العسكرية والمالية تتدفق بسخاء للنظام لتثبيت حكمه، وإحباط محاولة الشعب لإسقاط النظام سلمياً بادئ الأمر ومسلحاً في وقت لاحق...

إلا أنّ الأمر الآن اختلف بشكل جذري، حيث أنّ هامش السيادة البسيط الذي كان يتمتع به النظام السوري حتى بداية الثورة فقده الآن بشكل كامل لصالح إيران، حيث باتت اللاعب المباشر في الساحة السورية، وبات النظام مجرد أداة في يد ذلك اللاعب، ينفذ أوامره دون اعتراض...

فقد كان تراجع الجيش السوري في أغلب جبهات القتال في البلاد، واستنزاف عناصره قتلاً وجرحاً وانشقاقاً أو هروباً، سبباً رئيسياً ومباشراً لأخذ إيران زمام المبادرة واستلام الملف العسكري والأمني بشكل مباشر، فقد أكدت صحيفة "واشنطن بوست" في 28 من ديسمبر الماضي نقلاً عن معهد متخصص في دراسة الحروب أنّ أعداد قوات النظام السوري تراجعت إلى أكثر من النصف منذ بدء الثورة، وبيّن المعهد أن "أعداد مقاتلي الأسد تراجعت من حوالي 325 ألفاً إلى 150 ألف مقاتل فقط" أغلبهم في الوظائف الإدارية...

لقد أجهد الناشطون أنفسهم منذ بداية الثورة بإقناع العالم بوجود تدخل إيراني في سورية، فأظهروا الدليل تلو الآخر، إلا أنّ العالم صم آذانه وأغلق عيونه عن تلك الحقائق، وهو ما ولّد شعوراً لدى نشطاء الثورة وعموم الشعب أنّ إيران حليفة الغرب والبنت المدللة لهم، تماماً كالكيان الصهيوني، مع فارق أنّ الأولى تظهر عدائها للغرب والثانية تظهر انصهارها بهم، وكلتاهما تتمتعان بغطاء غربي لكل أفعالهم مهما بلغت من السوء والانحطاط...

لكن الآن لم يعد السوريون بحاجة إلى كثير عناء بإثبات التواجد الإيراني في بلادهم، فقد بات الإيرانيون يجاهرون بإرسال مقاتليهم وميليشياتهم الطائفية العراقية منها والأفغانية واللبنانية وغيرهم، حتى قدرت منظمات حقوقية وجهات بالمعارضة السورية، عدد المليشيات والتنظيمات المسلحة الأجنبية التي تقاتل إلى جانب قوات الأسد بأكثر من 42 تنظيماً شيعياً مسلحاً، يمارسون أبشع أنواع الإرهاب التي تفوق بقبحها ممارسات تنظيم البغدادي، مع فارق أن البغدادي يتباهى بجرائمه ويصورها بشكل احترافي، على عكس الميليشيات المدعومة إيرانياً، التي تمارس الإرهاب وتسعى لإخفاء جرائمها، فلا يظهر منها إلا جثث الضحايا، وآثار التعذيب عليها، دون أن تظهر مشاهد القتل المريعة إلا من خلال تسريبات لا تحظى بأي اهتمام إعلامي...

الآن ومع دخول الثورة السورية عامها الخامس، باتت سورية المحتلة محكومة بشكل كامل من قبل الضباط والمستشارين العسكريين الإيرانيين، حتى بات ضباط الجيش السوري يتوسلون لدى أولئك لتنفيذ مطالب بسيطة لهم كأخذ إجازة أو حتى ما دون ذلك، والأحداث الأخيرة من شمال سورية في حلب تحديداً إلى جنوب سورية (درعا والقنيطرة) دلت وبصورة واضحة على حجم التغول الإيراني، فقتلاهم بالمئات وأمثالهم من الأسرى، بما لا يدع مجالاً للإعلام بإغفالهم، إلا أنّ ردة الفعل الدولية كانت مخيبة للآمال، فحين ذبح تنظيم البغدادي 21 قبطياً مصرياً وعرضهم بفيديو يغلب الظن على أنه مفبرك قامت قائمة المجتمع الدولي، لكن حين ذبحت المليشيات الطائفية الإيرانية نفس العدد ومن عائلة واحدة شمال حلب، لم يتطلب الأمر حتى مجرد إدانة أو استنكار، أو حتى مجرد قلق من الأمين العام للأمم المتحدة..

وإذا كان صمت المجتمع الدولي يمكن تبريره بعدم اكتراثه لدماء السوريين، فما بال "إسرائيل" التي بات على حدودها مباشرة قوات إيرانية مسلحة بأحدث الأسلحة والعتاد، كيف يمكن فهم صمتهم لتواجد هذا "العدو" المزعوم، إلا إذا كان الكيانان "الإيراني والإسرائيلي" على توافق كامل وتنسيق شامل، فعدوهم الوحيد هو الشعب السوري، وليس النظام كما يدعون أو إيران كما يروجون..

إنّ صمت المجتمع الدولي على احتلال إيران لسورية لا يمكن فهمه إلا ضمن مخطط كامل لتدمير المنطقة وتمزيقها على أساس طائفي وعرقي، وعليه يجب على المؤسسات الثورية السياسية منها والعسكرية التخطيط والعمل على هذا الأساس، وعدم الانجرار وراء الوعود الأمريكية والغربية التي تظهر الدعم للشعب السوري وتبطن العداء له، ولا بد لقوى الثورة من التوحد لمواجهة المخططات الغربية ومقاومتها، فالشعوب وحدها القادرة على إفشال المؤامرات الخارجية والانتصار على أعدائها إذا ما أسقطت المراهنة على الخارج، وراهنت فقط على أبنائها وعلى وحدة كلمتها...