أسامري واحد هو؟

عزة مختار

عزة مختار

[email protected]

يقول الله عز وجل في سورة طه : "وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى، قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى، قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي، قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ، فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ، أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً، وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَانُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى،قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي، قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي، قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ، قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً، إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً" .89

عبر موسي عليه السلام اليم بقومه توا ، رأوا بأعينهم غرق الفرعون الطاغية الذي أراهم الذل ألوان ، فذبح رجالهم واستحيا نساءهم وجعلهم خادمين عند المصريين ، رأوا هلاكه توا

وحين عبروا لشاطئ الأمان مع نبيهم الذي تعجل لقاء ربه ، اختبرهم الله عز وجل بالعجل علي يد السامري  فوقعوا في الفتنة  ثم كذبوا  علي نبيهم وقالوا " حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها " وكانوا يقصدون الذهب الذي حملوه من الفرعون وأحلها لهم الله .

قال لهم هارون عليه السلام " يا قوم إنما فتنتم به " فوقعوا في الفتنة رغم التحذير ، ثم عبدوا العجل ، ثم كذبوا ، ثم لم يقبل منهم موسي عليه السلام اعتذارا إلا القتل ، فقتل احدهم الآخر وقيل أن عدد من ماتوا زاد عن سبعين ألف قتيل

لم يقبل ممن عبد العجل ووقع في الكفر إلا القتل

فهل هي طبائع العبيد استمراء الذل والخنوع ومعصية الله والوقوع في أقل الفتن رغم حداثة العهد بإهلاك من ظلمهم ؟

نعم إنها طبائع العبيد اجتمعت في كل عصر علي يد كل سامري يظهر حين يأخذ وعي الأمة في التشكل من جديد

يصنع العجل فيتبعه أهل الهوى والضلال والعبيد فيسقطوا في الفتنة ثم يعتذروا بالجهل حين يمسك لهم العصا ، يكذبون بينما بهتانهم بين وكذبهم مفضوح

وتعددت صور السامري ، وتكررت صور العجل في وجوه شاهت في كل عصر ثم يوجد دائما الأتباع وربما هم الكثرة في كل زمن

ظهر السامري بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ، بل وظهر ألف سامري تارة باسم الاعلام ، وتارة باسم النخبة ، وتارة باس الفن

فرقوا الصفوف حتي صارت  شيعا ورايات وعناوين متعددة بعدما كانت كفوف متشابكة لا تكاد تدري كف من تلك ، واختلفنا وصرنا فرقا ، وتوحدت كل القوي علينا بينما تششتتنا ، ولم يكن ليهزمونا لو كنا واحد أبدا

حين تحدثنا عن هوية الأمة ، وأن الثورة بغير هوية هي مشاع لأعدائها لم يسمع أحد ، وظهر السامري  ودعا بغير الله أربابا ووجد له اتباع كثر ، وكأننا نسينا أننا كنا منذ أيام معدودة  تحت المقصلة معا

بل وكأننا لم نكن نحن

وخون أحدنا الآخر

وأصبحنا بغير هوية بعدما انتصر السامري في نعرته الليبرالية والقومية والعلمانية ثم ظهر وجهه الحقيقي ذو السحنة العسكرية ونسينا حقيقتنا ، نسينا أبناء من نحن ، نسينا أننا ما انتصرنا يوما إلا بدين ، وما عبرنا يوما إلا بالاسلام

تفرقنا واجتمعوا علينا ، فصرنا لما صرنا إليه اليوم

فرقا بعضها يقتل والآخر يشاهد ولا يستطيع الكلام فضلا عن الدفاع عن نفسه

استسلم البعض للسامري بعدما اعطاه مادة العجل بنفسه ، فما كان سامري موسي ليستطيع أن يصنع عجلا في وعي من بني اسرائيل ، بل كانوا في غفلة جعلتهم يعطونه حليهم فصنع لهم عجلا عبدوه ، فما كان من موسي بأمر من ربه إلااأن يأمرهم فيقتلوا أنفسهم ، فلا جزاء لمن خان ودنس يده في الدماء إلا القتل

فلا صلح ، ولا تفاوض ، ولا تنازل

لم يكن السامري ليفعلها إلا برضاهم ، ومساعدتهم ، بل وربما بطلب منهم كما قالوا لنبيهم " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة "

وغلبت إرادة العبيد فسجدوا للعجل من دون الله وخانوا نبيهم

وهكذا هو فعل العبيد في كل زمن

وهكذا هو سامري كل زمن

فمتي يا قومي تدركون أن العجل الذي عبدتموه لن يغني عنكم من الله شيئا

ومتي يا قومي تعلمون أن السامري المقامر بكم في كل قنوات العهر سوف يكون أول الهاربين حين يجد الجد وسوف تواجهون غضب الغاضبين وحدكم ، ولسوف تحرقون بنار العجل المحروق وحدكم

أما آن لكم أن تنتفضوا من تلك الغفلة العفنة التي ستودي بكم في بحر الظلمات ؟

لقد أتاح الله لنا فرصة جديدة في ثورة جديدة ، ثورة لها عنوان واضح ، ليس الشرعية ، وإنما الحرية التي تحفظ إراداتك كإنسان فلا يساومك عليها أحد ، ولا يغتصبها منك أحد ، فرصة جديدة نتوب إلي الله بها ، بهوية واضحة فهمها العدو فحاربنا عليها بكل ما أوتي ، حتي ولو بعجل فرضه علي العبيد ليسجدوا له من دون الله ينفذ للصهاينة الكبار والصغار ما يريدون ،

فرصة جديدة نتحرك بوعي يجيب عن تساؤل لم نسأله من قبل

من نحن ؟ وماذا نريد بالثورة التي لن توت طالما وطن الله لها نفوسا تموت دون مطالبها ؟

ولماذا يحاربنا العالم والسامريون الجدد ؟

لماذا يصرون علي تغييبنا ؟

إن الثورة ليست هدفا في حد ذاتها ، إن الثورة لهدف كبير إن لم يتحقق بها فليكن بغيرها ، إننا أصحاب مشروع هداية عالمي ، اصحاب حضارة تحمل عوامل بقائها بعدما تهدمت كل حضارات الفناء فلم يعد غيرها قابلا للتطبيق فحاربوها خوفا علي هيمنتهم ومنتجاتهم وحضارتهم الميتة المنتهية منذ أزمنة الاستعمار العنصري

أما آن لتلك الشعوب الواهنة أن تعي واقعها ، وأن تعلم أن النشعل في يدها ينقصه فقط التفعيل ليضيئ للعالم طريقه ويضفي عليه السعادة الأبدية

نحن أصحاب مشروع هداية لا طلاب رغيف خبز مغموس بذل الجوع والحاجة لن نطلب من عدونا حريتنا بل سننتزعها منه ثم نحمل مشروعنا بالحب والتسامح لكل أهل الأرض

فهل تفقهون يا أصحاب الحق المسلوب ؟

هل تفقهون ؟