يَئِنُّ المسجدُ الأقصى ويصرخ

عبد الرحمن المقدسي

في ظل ثورات الأمة على حكامها

عبد الرحمن المقدسي (تراب)

أَنينُ المسجد الأقصى

أسرّحُ طرْفي صوب مسرى نبيكم
تـروجُ  وتغدو الغانيات iiبصحنِه
كـأنـي  بـأقـصاكم يبُث iiلربّه
يـئـن ويبكي تحت ظل iiحرابهم



فـأُلفيه في طوق من الجند iiمُحْكَمِ
وقد  كان قبل اليوم صعبَ iiالتقحُّمِ
شَـكاةً  تُذيب القلبَ من كل iiمسلمِ
ألا فـاجـمعوني بالحطيم iiوزمزمِ

لما وقع المسجد الأقصى تحت الأسر الصليبي مرة ثانية، كان في بيت المقدس شاب مأسور من أهل دمشق كتب أبيات شعر وأرسل بها إلى الملك صلاح الدين على لسان المسجد الأقصى قال فيها:

 (( يا أيها الملك الذي لمعالم الصلبان نكس، جاءت إليك ظلامة تسعى من البيت المُقَدَّس، كل المساجد طهرت وإنا على شرفي أُدنس! )).

فلما وصلته الرسالة صار كالوالدة الثكلى، يجول بفرسه من طلب إلى طلب، ويحث الناس على الجهاد، ويطوف بين الأطلاب بنفسه وينادي "يا للإسلام" وعيناه تذرفان بالدموع، وكان من كلامه رحمه الله: "كيف يطيب لي الفرح والطعام ولذة المنام وبيت المقدس بأيدي الصليبيين؟! . وبهذه الأبيات والرسالة كانت بداية فتح بيت المقدس كما جاء في كتاب الأنس الجليل لمجير الدين الحنبلي.

أيها المسلمون الثائرون المنتفضون على حكامكم:

على خطى الشاب الدمشقي الأسير يرسل المسجد الأقصى في رمضان رسالة استنصار للمرة الثالثة إلى المسلمين جميعا وبخاصة الضباط والجنود والخطباء والعلماء, رسالة تملئها الأشواق والأنين.

يقول المسجد الأقصى:

أين الصائمون؟ أين الرجال؟ أين الجيوش؟ أين المجاهدون في سبيل الله؟

 أين خلافتكم أيها المسلمون؟

 أين أنا من مطالبكم وثوراتكم؟!!!

يئن منبري تحت وطأة خطب جوفاء، وتسخر حجارتي من سجادكم وزخارفكم ومنابركم التي ترسلون بها إليّ بين الحين والأخر، فإني أريد حديداً يفل حديدي, وإني في غناً عن سجادكم وفرشكم ومنابركم بل إني بحاجة إلى شيء أحمر آخر غير سجاكم ألا وهي دمائكم الممزوجة بترابي الطاهر في يوم التحرير.

فتقدمي أيتها الجيوش المدججة بالسلاح، وتجاوزوا أطفال الحجارة والنساء، تقدموا وفكوا أسري وانثروا حجارتي في كل مكان من بيت المقدس، فلست أبالي حين تقصفني طائراتكم ودباباتكم، ولو نثرت رمالي، وبلغ دخانها عنان سمائي، ولست أجزع أن تمس نار التحرير ثيابي، ولست أندم إن شوه المجاهدون زخارفي وقبابي، فلا أريد ترميماً ولا تزييناً ولا سجاداً ولا مؤتمراً، تعالوا حرروني واسلخوا جلدي، واكسروا عظامي، تعالوا خلصوني من الشرك الذي اعتراني، والفسق الذي قطع أوصالي، فإني لا أطيق صبراً على فراق توحيدي وقرآني وإسلامي. ولقد ضقت ذرعاً ببطاقات الهوية التي تعلنون، فلست فلسطينياً ولا عربياً ولا أعجمياً، وإنما أنا مسلم شقيق المسجد الحرام من أمه وأبيه، فلا مرحباً بفلسطينيتكم، ولا مرحباً بعروبتكم ولا بأعجميتكم. قولوا لحكامكم في ظل ثوراتكم: بعد قرن من التخاذل أيها الأوغاد فقدت الثقة فيكم، لا تعقدوا لي مؤتمراً، ولا أريد سماع تصريحاتكم، ولا تذكروا اسمي على ألسنتكم، أغربوا عن وجهي، فإن لم تأتوا لتحريري فلا كيل لكم عندي ولا تقربون، كفوا عن التآمر علي من قبل أن يطمس الله وجوها فيردها على أدبارها، أو يلعنكم كما لعن أصحاب السبت، يا أصدقاء أصحاب السبت. ولقد مللت شعاراتكم "لن ننساك يا أقصى"، و"لن تهجر يا أقصاني الحبيب"، و"الأقصى في خطر"، و"يا أقصى ما أنت وحيد"! فمن لا ينساني ولا يريد هجراني ويراني في خطر فليعمل لإنقاذي، وإنقاذي يكون فقط من خلال جيش دولة الخلافة القادمة قريباً إن شاء الله.

قولوا لحكامكم: لو كان الأقصى وتحريره على بالكم لما هادنتم ولا هنتم، ولا طأطأتم الرأس للعملاء الذين خذلوني وخذلوكم، وسلموني لأعدائي وسلموكم، وفي الأسر أوقعني وأوقعكم أكثر من 90 عاماً يوم هُدمت خلافتكم.

كفاكم ذلاً ومهانة، وهبوا واعملوا مع العاملين لتحريري بإقامة خلافتكم الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي وعدكم بها ربي وربكم، وبشركم بها نبيي ونبيكم، فإن الأسر أعياني، فلا الحكام تنقذني، ولا الحراس تنجدني، وإني لرب الكون أشكوكم، أريد خليفة ثاني، برُشد الأمر يأتيني، ولَجب الجيش يغشاني، فذا والله أنشده، سبيل الفك للعاني.

فالبدار البدار أيها الثائرون الصائمون, إن الأرض دارت كما كانت في عهد الرسالة حيث الروم والفرس قد خالطهم هرم وشيخوخة، وغرور بالنفس وعنجهية، فلَم يحسبوا حساباً لقوة. لقد كانوا لا يرون للإسلام الذي دخل صدور العرب أي وزن، بل نظروا للعرب كما كانوا في الجاهلية، واستهانوا برسالة الإسلام لدرجة أن كسرى أرسل لعامله في اليمن يقول له سمعت رجلاً في مكة يرى نفسه نبياً اذهب إليه وأحضره لي!، ثم هو بعد ذلك بسنين، وعند قيام الدولة، وإرسال رسول اللهصلى الله عليه وسلم الرسل إلى الملوك، فإن كسرى قد مزَّق الرسالة التي أرسلها له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك إيذاناً بتمزيق ملك كسرى، مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: «مزّق الله ملكه».

وإن العنجهية تقتل صاحبها مهما بلغ من قوة، وهذا واقع أقوى دولة في عالم اليوم وربيباتها من دول الضرار في العالم الإسلامية والعربي، فاستبشروا، أيها المسلمون، بظهور الغلبة عليهم، وعودة الخلافة على منهاج النبوة، فتعودوا كما كنتم خير أمة أخرجت للناس، وتعود دولتكم، الدولة الأولى في العالم، تطبق الإسلام بينكم وتحمله للعالم بالدعوة والجهاد، ناشرةً الحق والعدل في ربوع العالم, فاتحة لبيت المقدس ومطهرة لأرضها وعرضها وشرفها, وعندها يقف خليفة المسلمين من على منبره في بيت المقدس قائلاً: "الحمد لله الذي ردّ علينا هذه المغصوبة من الأمة المغضوبة", وما ذلك على الله بعزيز.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته