المعارضة السياسية في السياسة الشرعية

دندل جبر

دندل جبر

المعارضة في النظام السياسي تنتج عن الانتخابات البرلمانية ، حيث تنتهي إلى أكثرية غالبة وقلة تقابلها ، عندئذ تتولى الأكثرية حكم إدارة البلاد وتكون الأقلية في مكان المعارضة لحكومة الأكثرية .

حكم المعارضة شرعاً :

إذا كانت المعارضة ضرورية أو مجدية لإصلاح شأن أنظمة الحكم ومنع انحرافاتها فإن الشريعة الإسلامية لا تستبعد وجودها ولا تحريمها إلا إذا خالفت حكماً قطعياً من أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية ، أما في غير هذه الحالة فهي جائزة بل قد تكون واجبة ، وبناء على ذلك فالمعارضة قد تكون محرمة أو مباحة أو واجبة .

المعارضة المحرمة :

تكون المعارضة محرمة شرعاً عندما تخالف حكماً شرعياً قطعي الثبوت والدلالة من أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وهذا في دولة اختارت الشريعة الإسلامية منهجاً ، يقول الله تعالى : (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) (الأحزاب ـ 31) .

المعارضة المباحة :

والمعارضة المباحة تكون في المسائل التي لم يرد فيها نص قطعي الثبوت والدلالة في القرآن الكريم والسنة النبوية ، أي تكون في الأمور التي يجوز فيها اختلاف الرأي والاجتهاد ، مثل الاختلاف في طريقة اختيار رئيس الدولة ، وطريقة تطبيق الشورى ، وأن تكون هذه المعارضة في المسائل التي تحتمل اختلاف الرأي وعلى أن تستند على أسس موضوعية واعتبارات منطقية تبررها وتجعلها أكثر تحقيقاً للصالح العام من وجهة أصحابها على الأقل .

المعارضة الواجبة :

تكون المعارضة واجبة في مواجهة أمر يخالف أحكام الشريعة الإسلامية وخاصة القطعية منها ، وذلك من باب النهي عن المنكر ، يقول عز وجل : (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (آل عمران ـ 104) .

ويقول عليه الصلاة والسلام : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " ويقول أيضاً " لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم " (انظر في ذلك ابن حزم ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل ـ ج 4 ـ ص171 وما بعدها) وهؤلاء الخلفاء الراشدون يحثون الناس على معارضتهم إذا ما اعوجوا أو ضلوا طريق الرشاد .

ـ فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخليفة الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في الناس بعد بيعته فيقول : " أيها الناس إني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني ... أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم " (عصر الخلفاء الراشدين ـ الدكتور عبد المجيد بخيت ـ ص45) .

وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثاني الخلفاء الراشدين يقول للناس : " إن رأيتم في اعوجاجاً فقوموني " فرد عليه أحد المسلمين بقوله " والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا ، فيعقب عمر راضياً شاكراً : " الحمد لله الذي أوجد في المسلمين من يقوم عمر بحد السيف " (السلطات الثلاث ـ د. سليمان الطحاوي ـ ص381 وما بعدها) وسار على نهج أبي بكر وعمر من بعدهما الخليفتان عثمان وعلي رضي الله عنهم جميعاً .

وكان لفقهاء المسلمين منذ قيام الخلافة الأموية وإلى زوال الخلافة العثمانية في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري دور في انتقاد أخطاء ولاة الأمور رغم كبت المعارضة السياسية ، وتعرض بعضهم في سبيل ذلك لأذى كثير .

أهداف المعارضة :

للمعارضة أهداف متعددة ، يمكن ذكر الأساسية منها فيما يلي :

1 ـ تدارك أخطاء الحكومة .

2 ـ كشف أفضل الحلول .

3 ـ تقديم حكومة بديلة .

4 ـ إشراك المعارضين في الحكم .

5 ـ مقاومة النزعات الدكتاتورية .

وسائل ممارسة المعارضة :

يمارس المواطنون المعارضون معارضتهم بوسائل متعددة وتتركز هذه الوسائل أساساً فيما يلي :

ـ حق التصويت .

ـ الأحزاب السياسية .

ـ جماعات الضغط .

ـ الصحافة والنشر .

ـ الطعون القضائية .

ـ السلبية والمقاطعة .

ـ الفكاهة والسخرية .

ونعرض لبعض هذه الوسائل بشيء من الإيجاز :

حق التصويت :

يعتبر حق التصويت من أكثر طرق المعارضة رسمية وأعظمها أثراً وخاصة في ممارسة هذا الحق في الانتخابات والاستفتاءات .

ففي التمتع بهذا الحق يبدي الناخب أو المستفتي رأيه الذي يريد أن يعبر عنه بحرية ففي الانتخابات مثلاً يمكن للمعارضين لسياسة الحكومة أن يرفضوا انتخاب ممثلي الحكومة ليدلوا بأصواتهم لصالح أصحاب الاتجاهات الأخرى الذين تكون لهم الغلبة إذا رفعتهم هذه الأصوات إلى مستوى الأغلبية البرلمانية فتسقط الحكومة القائمة ويحلون محلها .

تعدد الأحزاب والمعارضة :

تعدد الأحزاب السياسية الوسيلة الأساسية للمعارضة الحديثة وغالباً ما تكون هذه المعارضة خارجية يتولاها حزب أو أحزاب خارج إطار الحكومة التي تتولى السلطة ، وأحياناً تكون هذه المعارضة داخلية تتم في نطاق الحكومة نفسها بواسطة بعض الأحزاب المشتركة فيها .

حدود المعارضة :

للمعارضة حدود ومجالات يجب أن تخضع لها في تصرفاتها ومن أهم هذه الحدود القانون الذي يفترض أنه وضع لتحقيق صالح الحكام والمحكومين ، ومن هذه التصرفات ممارسة المعارضين لحق النقد لسلوكية الحكومة وممارساتها ، ولا يحق للمعارضين ارتكاب الأعمال غير المشروعة أو المخالفة للقانون ، إلا أن المعارضة السلمية تجوز عندما تكون القواعد القانونية مجافية للعدالة المستوحاة من الشرع .

سلمية سبل المعارضة :

المعارضة المثمرة لا تؤتي أكلها في العادة إلا إذا كانت سلمية هادئة ، وذلك لأن قرع الحجة بالحجة ومقابلة الرأي بالرأي من أجل الوصول إلى أفضل الحلول الممكنة لمشاكل المجتمع لا يتأتى عن طريق استخدام القوة المادية لإسكات الرأي الآخر أو القضاء عليه .

استهداف المصلحة العامة :

إن الهدف الأساسي من قيام المعارضة وتعاملها مع الحكومة هو تحقيق المصلحة العامة في الدولة ، لأن هذه المصلحة هي من أهم أسباب وجودها ، لذلك ليس للمعارضة أن تتخذ بتصرفاتها تحقيق بعض المصالح الشخصية لقادتها أو زعمائها أو غيرهم أو إنجاز بعض المصالح الإقليمية أو المحلية أو الفئوية على حساب الصالح العام ، أما إذا لم تتعارض مع الصالح العام فليس ما يمنع بعض المصالح المحلية أو الفئوية من وضعها في الاعتبار