قصتي مع تراث باكثير (8)

د.محمد أبو بكر حميد

قصتي مع تراث باكثير (8)

علي أحمد باكثير

الدكتور محمد أبو بكر حميد

قصائد ومسرحيات بالإنجليزية:

من المعروف أن علي أحمد باكثير رحمه الله كان يتقن اللغة الإنجليزية ويكتب بها كتابة أدبية، فهو قد تخرج في قسم اللغة الإنجليزية بالجامعة المصرية سنة 1939م وترجم أثناء دراسته مسرحية " روميو وجولييت " لشكسبير إلى العربية بالشعر المرسل المنطلق فكانت الخطوة الرائدة للحركة التي عرفت فيما بعد بالشعر الحديث باعتراف معظم النقاد، وقد عمل باكثير مدرساً للغة الإنجليزية في المدارس المصرية لمدة أربعة عشر عاماً بالمنصورة والقاهرة.

وقد علمت تفاصيل قصة كتابته لمسرحيته " شيلوك الجديد " بالإنجليزية من معالي الشيخ عبد الله بلخير الذي تكرم بإهدائي صوراً من المراسلات التي دارت بينه وبين باكثير حول العقبات التي وقفت في طريق طبع مسرحيته في لندن. فقد كتب باكثير هذه المسرحية سنة 1945م وتوقع فيها قيام دولة إسرائيل وحذر من الخطر القادم على العرب والمسلمين في فلسطين، وتقول المراسلات بين باكثير وبلخير أن الوسيط المستشرق عبد الله فلبي عرض المسرحية على مجموعة من الناشرين في لندن لكنها رفضت لأسباب كان أهمها الضغوط الصهيونية والخوف من سيطرتها على أجهزة النشر في الغرب، ونشرت المسرحية بالعربية وبقيت النسخة الإنجليزية حبيسة مكتبه حتى اكتشافي لها بعد أكثر من عشرين عاماً من وفاته!

وقد دهشت أن رأيت أعمالاً أخرى من مسرحياته مترجمة إلى الإنجليزية وقد طبعت على الآلة الكاتبة مرفقة بنسخة خط يده وتعديلاتها الأمر الذي يدل على أنه مترجمها وهذه المسرحيات هي  "مأساة أوديب " و " شهرزاد " وهاروت وماروت " وما أثار دهشتي هي تلك المصادفة التي جعلتني أختار مسرحيتي " هاروت ماروت " و " شهرزاد " لترجمتها إلى الإنجليزية عندما كنت طالباً في الولايات المتحدة قبل سنوات، وبعد تفكير وجدت أنني كنت موفقاً في اختيار هاتين المسرحيتين لتمثيل كل واحدة منهما مرحلة من مراحل تطور باكثير الفني ولعل هذا هو السر الذي جعل باكثير نفسه يُقدم على ترجمتهما دون باقي مسرحياته. ويبقى أن هذه المصادفة ـ إذا صح التعبير ـ تبقى مدعاة لمقارنة الترجمتين فقد كانت ترجمة باكثير لنفسه التي تعرف فيها بشكل رآه يتناسب مع القارئ الإنجليزي التي أعدها له وترجمتي التي التزمت بالنص العربي مع مراعاة تقريبها إلى مصطلحات ومفاهيم المشاهد الأمريكي وليس الإنجليزي الذي ترجم له باكثير المسرحية.

كما وجدت أيضاً بين أوراقه نصاً إنجليزياً لمسرحيته (الفلاح الفصيح) ترجمة طالب سوري من جامعة دمشق سنة 1964م وبعثه هدية إلى باكثير في طبعة أنيقة كما وجدت مشروعات قصائد بالإنجليزية بعضها كتب بخط واضح وأكثرها لا تزال في شكلها الأولي لم يهتم بتبييضها.

قصائد ومسرحيات بالفرنسية:

أما إتقان باكثير للفرنسية كتابة فهو أمر لم أكن أعلمه حتى دخلت مكتبته واطلعت على أوراقه ، فقد كنت أعلم مسبقاً أن مسرحية " سر شهرزاد " لباكثير قد ترجمت للفرنسية وأن باكثير سافر إلى فرنسا سنة 1954م في بعثة ثقافية لعدة شهور شاركه فيها الروائي المعروف الأستاذ محمد عبد الحليم عبد الله ـ يرحمه الله ـ ولم أطلع على الترجمة الفرنسية لمسرحية " سر شهرزاد " حتى وجدت عدة نسخ منها لدى الأستاذ عمر العمودي الأمين على تراث باكثير. وقد فوجئت باكتشاف مسرحية " مأساة أوديب " مترجمة إلى الفرنسية بخطه وقصائد مشوشة نظمها بالفرنسية وقد عزز فهمي لقدرات باكثير ليس في الكتابة بالفرنسية فحسب بل والنظم بها ما ذكره الشاعر الراحل صالح جودت لإحدى الباحثات في أدب باكثير أن باكثير نظم عدة قصائد بالفرنسية وأنه أي صالح جودت كان بصحبته في باريس وأعجبته إحدى قصائد باكثير فترجمها إلى العربية ولعلها في أحد دواوينه.

أوراق منسية في حضرموت:

وأقصد به إنتاج باكثير النثري في حضرموت قبل هبوطه مصر، وهو ينقسم إلى قسمين الأول:

مجموعة مقالات تدعو إلى الإصلاح الاجتماعي في وطنه.

والثاني دراسات لغوية وأدبية أغلبها نشر في مجلة " التهذيب " التي كان يحررها في حضرموت 1937م والبعض الآخر نشر في مجلات حضرمية في أندونيسيا وسنغافورة وفي مجلة " المعرفة " وهذه مرحلة من إنتاجه طواها الزمن بقدومه إلى مصر، وقد جمعناها وسنعمل على نشرها في كتاب مستقل مع بقية إنتاجه المخطوط.

140 تمثيلية سياسية قصيرة

وهناك التراث الذي يضم عشرات التمثيليات القصيرة التي تصلح للنشر وللإذاعة والتي ربما قدم بعضها لإذاعة الكويت في حياته، وقد وجدته قد قسمها تقسيمات معينة بحيث تنشر كل عشر أو أكثر في كتاب مستقل.. ومعظم هذه التمثيليات التي تزيد عن السبعين مستمدة من التاريخ الإسلامي والسنة النبوية الشريفة وهي بلا شك ستكون ركيزة لفن التمثيل الإسلامي النقي.

أما التمثيليات السياسية فهي تزيد أيضاً عن السبعين وقد نشر معظمها في جريدتي " الدعوة " والإخوان المسلمون " في الأربعينيات وهي تراث عظيم يمثل العبء الكبير الذي حمله باكثير في مرحلة الغليان الذي مرت به الأمة العربية والإسلامية منذ بداية الحرب العالمية الثانية وقيام دولة إسرائيل إلى حدوث انقلاب 1952م في مصر.

وفي هذه التمثيليات سجل باكثير مرحلة من الكفاح السياسي العربي من وجهة النظر الإسلامية وتناول الكثير من القضايا والشخصيات بجرأة ودراية واهتمام لم نجده في أي أديب من معاصريه، وبهذا يظل باكثير الأديب الوحيد الذي قارع الصهيونية والاستعمار صراحة وجهاراً بقلمه في أعمال متميزة وكثير في تلك المرحلة الخطيرة من تاريخ الأمة العربية ومن حق هذه المسرحيات أن تجمع اليوم وتخرج إلى الحياة في سلسلة كتب أو مجلد كبير لأنها تسجيل فني لحقبة من تاريخنا السياسي.