جماعة جندت نفسها للدعوة إلى الله بالحكمة

أدباء الشام
جماعة جندت نفسها
للدعوة إلى الله بالحكمة

يقول الله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (لا جدال أن الدعوة إلى الله فريضة شرعية وهي تحتاج لفطنة وحكمة من الداعي ومعرفة بأحوال المدعوين .

وقد تصدت جماعة الإخوان المسلمين منذ نشأتها وحتى الآن لهذه المهمة الجليلة ألا وهي الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن .

أساليب الدعوة إلى الله :

ويتناول الباحث صلاح محمد زكي في رسالة ماجستير بعنوان[ الدعوة إلى الله بالحكمة (نموذج الإخوان المسلمين) ] مفهوم الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن - من خلال عرض نموذج الإخوان المسلمين باعتبار أنها اكبر الجماعات العاملة في الدعوة في هذا العصر مع كونها النموذج العملي الجماعي الذي يسير بالدعوة إلى الله بأحكم الأساليب.

فيتناول الباحث في الجزء الأول من الرسالة مفهوم الدعوة إلى الله من حيث أنها ( جمع الناس على الخير ودلالتهم على الرشد بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ).

ويذكر الباحث أن القرآن الكريم قد حدد عدة وسائل لإتمام عملية الدعوة منها الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن انطلاقا من قوله تعالى : (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).

والحكمة في الدعوة تعني الأخذ بكل الأسباب الموصلة إلى إقناع المدعوبما يدعوإليه سواء بالقول والبيان أوالعمل والقدوة .

ومن أركان الحكمة العلم والبصيرة والحلم والتواضع والأناة والصبر .

وعلى الداعية أن يخلص في قوله وعمله ويحرص على العلم ومعرفة فقه الدعوة لكي يستطيع تحصيل الحكمة.

أما الموعظة الحسنة فتعني التعليم والإرشاد بأحسن الأساليب سواء بالترغيب أوالترهيب.

بينما يقصد بالجدال بالتي هي أحسن مناظرة المعاندين بأحسن طرق المناظرة من الرفق واللين.

نموذج الإخوان المسلمين :

ينتقل الباحث بعد ذلك في الجزء الثاني إلى الحديث عن جماعة الإخوان المسلمين من حيث النشأة مسترشدا بحديث رسول الله صلى الله عبيه وسلم : ( إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) مؤكدا أن إصرار الإمام حسن البنا على تغيير الواقع الفاسد وما آل إليه حال المسلمين من إباحية والحاد وإعلان أتاتورك إلغاء الخلافة وفصل الدين عن الدولة هي العوامل التي أثارت البركان في نفسه فأخذ يتحرك برد فعلي عملي رويدا رويدا حتى تكونت الجماعة.

أهداف ووسائل الإخوان المسلمين:

أما أهداف هذه الجماعة فقد لخصها الإمام البنا في مقولته : ( سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة ) وذلك من خلال تحرير الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي وقيام دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام متبعة في ذلك ثلاث وسائل هي الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل.

 

العمل الجماعي عند الإخوان المسلمين:

ويتلخص مفهوم العمل الجماعي عند الإخوان المسلمين في أن تنهض جماعة من المسلمين تتوافر فيهم الكفاءة الدعوية والعلم والإخلاص والبصيرة والتقوى لتنشر دين الله بين العالمين فتعلم المسلم وتدعو الكافر .

وتمثلت أهداف العمل الجماعي لديهم في :

المساهمة في الخير العام وإصلاح أوضاع المسلمين وإقامة حكومة إسلامية تحكمها شريعة رب البرية

وكل هذه الأهداف لن يستطيع أن يقوم بها فرد أوأفراد بل لابد أن تنهض بها جماعة مؤمنة تتخذ من الحق والإيمان والأمل بنصر الله درعا تحميها .

التحديات التي واجهت الجماعة:

وقد تعددت التحديات التي واجهت الجماعة بين تحديات داخلية وأخرى خارجية

فأما الداخلية فتلخصت في:

* الجهل العام من الناس بالمعنى الصحيح للإسلام

* عدم قيام رجال العلم الشرعي بدورهم المطلوب

* الحكومات وفسادها والأحزاب وتنافرها

* انتشار الثقافة الغربية والإلحاد والإباحية

 

أما التحديات الخارجية فتمثلت في :

* إسقاط الخلافة الإسلامية

* الاحتلال الأجنبي

* التآمر العالمي على دولة الإسلام

الدعوة إلى الله بالحكمة

عند الإخوان المسلمين:

أعلن الإمام البنا أن الإسلام ( عقيدة وعبادة ووطن وجنسية وسماحة وقوة وخلق ومادة وثقافة وقانون وأن المسلم مطالب بحكم إسلامه أن يعنى بشئون أمته ( ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) ).

وقد تميزت دعوة الإخوان من أول يوم بالعودة إلى الأصالة الإسلامية الكائنة في مصدريها الكتاب والسنة .

وقد حرص الإمام البنا ألا تكون حركته إقليمية بل كانت عالمية بعالمية الدعوة والرسالة المحمدية لذا كان يرسل المبعوثين إلى أقطار العالم يتفقدون أحوال المسلمين واستمرت الدعوة حتى بعد استشهاد مرشدها واعتقال رجالها وخرجت من المحنة اصلب ما تكون .

نظرة الإخوان للدعوة إلى الله بالحكمة:

الحكمة في الدعوة تعني الشمولية فهم لم يجزئوا الدعوة لا منهجا ولا أشخاصا ويحدثنا الإمام البنا عن خصائص هذه الدعوة:

1- الربانية : ( أما أنها ربانية فلأن الأساس الذي تدور عليه أهدافنا جميعا أن يتعرف الناس إلى ربهم وأن يستمدوا من فيض هذه الصلة روحانية كريمة تسموبأنفسهم )

2- العالمية : ( وأما أنها عالمية فلأنها موجهة إلى الناس كافة )

3- التميز : ( واسمحوا لي أيها السادة أن أستخدم هذا التعبير : [ إسلام الإخوان المسلمين ] ولست اعني به أن للإخوان المسلمين إسلاما جديدا غير الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد عن ربه ...... وهكذا اتصل الإخوان المسلمون بكتاب الله تعالى فأيقنوا أن الإسلام هوهذا المعنى الكلي الشامل )

4- الشمولية : ( إن فكرة الإخوان المسلمين تضم كل المعاني الإصلاحية لأنها دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وجماعة رياضية وفكرة اجتماعية وشركة اقتصادية وهيئة سياسية )

5- العلمية : ( كما تحتاج الأمم إلى القوة كذلك تحتاج إلى العلم الذي يؤازر هذه القوة ويوجهها أفضل توجيه )

6- العقلانية : ( أيها الإخوان المسلمون : ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول ..... )

7-  الاستقلالية : ( أنها دعوة لا تقبل الشراكة إذ أن طبيعتها الوحدة )

8- العملية : ( نحن قوم عمليون )

9- الوسطية : فهي دعوة تبني من جميع الناس أمة الخلاص.

أساليب الدعوة بالحكمة

 عند الإخوان المسلمين :

تنوعت أساليب الدعوة بالحكمة بين الأساليب النظرية كالدروس والخطب والمحاضرات والندوات والمناظرات والأساليب العملية التطبيقية في المؤسسات التعليمية التربوية والصحية والثقافية والمهنية والاجتماعية ...

ويعدد الباحث عدة نماذج مثل الرحلات والمعسكرات والمخيمات الكشفية والدورات والندوات والمؤتمرات.....

ويعرض الباحث لنموذجين من نماذج الدعوة بالحكمة بالتفصيل:

النموذج الأول: الأسرة:

والأسرة تعني الدرع الحصينة لكل أخ من آفات المجتمع المادية والفكرية والدينية وهي لكل أفراد الإخوان بمثابة أفراد العائلة الواحدة وهي المحضن الأساسي لتخريج قوافل من الرجال ، رباطهم فيه هورباط الأخوة.

وقد وضع الإمام البنا ثلاث قواعد وأركان لهذا الرباط:

1-  التعارف (إنما المؤمنون إخوة )

2- التفاهم ( الدين النصيحة )

3- التكافل ( لأن يمشي أحدكم في حاجة أخيه خير له من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرا )

 

لذا كان ما تشغل به الأسرة اجتماعاتها:

* يعرض كل أخ مشاكله ويشاركه إخوانه في دراسة حلولها

* مدارسة نافعة في كتاب من الكتب القيمة

* الحرص على تحقيق معنى الأخوة في المجاملات الطارئة كعيادة المريض وتفقد الغائب ....

النموذج الثاني: الكتيبة:

ويقصد بها تجمع عدد من الأسر بحيث يصبح عددهم أربعين فأكثر من جنود الدعوة تعد نفسها وفق برنامج معين أعد للمجاهدة والمصابرة والجد والنشاط الذهني والبدني والانضباطي .

ويتلخص نظام الكتيبة في أن تبيت الكتيبة ليلة في الأسبوع في المركز العام ومعهم المرشد فيقيمون الليل ويتلون القرآن ويتذاكرون وينصتون لدرس من المرشد العام.

ومن وسائل انضباط الكتيبة :

1- شعار الكتيبة ( كل وأنت شبعان ونم وأنت مستيقظ )

2- الامتناع عن كل المنبهات

3- توزيع استمارة للمحاسبة

4- توزيع رسالة تسمى المنهج العلمي

وقد حققت هذه الوسيلة عدة غايات منها :

العناية بالجوانب الروحية وتقوية الصلة بالله وإحياء معنى الجهاد ودعم روح التضحية والعطاء واستكمال كل جوانب التربية لدى الفرد وتكوين كوادر لحمل الدعوة.

مفهوم الموعظة الحسنة

عند الإخوان المسلمين:

 (أن يكون وعظا عاما تذكيرا بالله واليوم الآخر وترغيبا وترهيبا فلا يتعرض فيه لتجريح أوتعريض ويكون بصورة خطابية مؤثرة )

وتباينت أساليب الموعظة حسب من توجه إليه هذه الموعظة بين :

* أسلوب الرقائق والترغيب والترهيب والقصص والأمثال في اللقاءات العامة

* أسلوب الخطاب العقلي والحوار الذي يثير الهمة والغيرة للعلماء والمثقفين

* أسلوب النصح اللين والحوار الهادئ للقادة والزعماء

مفهوم الجدال بالتي هي أحسن

عند الإخوان المسلمين:

لقد فهم الإخوان المسلمون الجدال على انه وسيلة الإقناع والمحاورة للوصول للحق فكانت لغة الحوار والمناقشة الهادفين هي صفة دعوة الإخوان فما أثر عنهم عنف ولا اعتداء أوانحراف في دعوتهم عن الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.

وصدق الله العظيم ( قل هذه سبيلي أدعوإلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن وسبحان الله وما أنا من المشركين ).

إنَّ المهمةَ الأساسيةَ للإخوان المسلمين والهدف الأسمى الذي إليه يقصدون وعليه يعملون هوتحقيق الإصلاح الشامل، والذي عبَّر عنه الإمام البنا بقوله:

 "أما الإصلاح الذي يريده الإخوان ويهيِّئون له أنفسهم، فهوإصلاحٌ شاملٌ كاملٌ تتعاون عليه الأمة جميعًا وتتجه نحوه الأمة جميعًا، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل".

 ولذا وجب علينا أن نُدرك عدة حقائق مهمة ونحن نسير على طريق الإصلاح، منها:

أولاً: إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أومن الفئةِ التي تدعوإليه على الأقل إلى قوةٍ نفسيةٍ عظيمة تتمثَّل في إرادةٍ قويةٍ لا يتطرَّق إليها ضعف، ووفاءٍ ثابتٍ لا يعدوعليه تلوُّنٌ ولا غدر، وتضحيةٍ عزيزةٍ لا يحول دونها طمعٌ ولا بخلٌ، ومعرفةٍ بالمبدأ وإيمانٍ به وتقريرٍ له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه، والمساومة عليه والخديعة بغيره.

 وكل شعب فقد هذه الصفات الأربع، أوعلى الأقل فقدها قوَّادُه ودعاة الإصلاح فيه لهوشعبٌ عابثٌ مسكين لا يصل إلى خيرٍ ولا يُحقِّق آملاً، وحسبه أن يعيش في جومن الأحكام والظنون والأوهام.

 ثانيًا: إن التدافع بين الحقِّ والباطل من سنن الله في النصر والتمكين.. (وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ) (البقرة: من الآية 251)، (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوزَاهِقٌ) (الأنبياء: من الآية 18)، ولقد شاءت لنا الظروف أن ننشأ في هذا الجيل الذي تتزاحم الأمم فيه بالمناكب، وتتنازع البقاء أشد التنازع، وتكون الغلبة دائمًا للقوي السابق، وكذلك شاءت لنا ظروفنا أن نواجه كل ذلك، وأن نعمل على إنقاذ الأمة من الخطر المحدق بها من كل ناحية.

 ثالثًا: إن المشاركة في الحياة السياسية بكل أشكالها ومستوياتها خطوةٌ على طريق الإصلاح؛ ولذا كانت المشاركة في الانتخابات بصورها المتعدِّدة خيارًا إستراتيجيًّا لإحداث التغيير المنشود بالنهج السلمي الدستوري، والذي عبَّر عنه الإمام البنا بقوله: "أما وسائلنا العامة في الإقناع نشر الدعوة بكل وسائل النشر حتى يفقهها الرأي العام ويناصرها عن عقيدةٍ وإيمان، ثم استخلاص العناصر الطيبة لتكون هي الدعائم الثابتة لفكرة الإصلاح، ثم النضال الدستوري حتى يرتفع صوت هذه الدعوة في الأندية الرسمية وتناصرها وتنحاز إليها القوة التنفيذية".

 رابعًا: إن السبيل إلى تحقيق الإصلاح الشامل يحتاج إلى كفاحٍ طويل وصراع قوي شديد بين الحق والباطل وبين المصلح والمفسد، كما يتطلَّب أيضًا العمل المتواصل والجهاد المستمر والتضحية بكل غالٍ ونفيس؛ فالمؤمن في سبيل تحقيقه الغايةَ التي من أجلها يعمل قد باع نفسه وماله لله؛ فليس له فيها من شيء، وإنما هي وقف على نجاح هذه الدعوة وإيصالها إلى قلوب الناس.. (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ) (التوبة: من الآية 111).

 

خامسًا: إن الأضرارَ التي قد تنتج ونحن نسير على طريق الإصلاح تحمل في طياتها فوائد عديدة ومكاسب كثيرة، ربما لا ندركها ولكنها تتجلَّى لنا بوضوحٍ مع مرور الوقت الزمن، وأملنا إذا استرجعنا ما تعرَّضت له هذه الدعوة المباركة من أذًى وتضييقٍ ومحنٍ باعتقالٍ أوتشريدٍ أومصادرةٍ للأموال والشركات أوغير ذلك؛ نجد أن هذا كله قد أفاد الدعوة وزادها قوةً وأثرًا، وجعل لها هذه المكانة في قلوب الناس، ولنعلم أن المواقف الصعبة والأزمات تصنع الرجال وتصقلهم، وتجعلهم أهلاً للتمكين والنصر، و(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ (214)) (البقرة).

 

سادسًا: إن أهل الباطل والفساد يعيثون في الأرض فسادًا، ولسان الحال يُغنِي عن الكلام، وإن الواجب والمسئولية تجاه وطننا وديننا يُلقي على كاهلنا عبئًا ثقيلاً وأمانةً عظيمةً تتطلَّب الأخذ بكل الأسباب وطرق جميع الأبواب وكل ما استطعنا إليه سبيلاً، ونحن على يقينٍ من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)) (العنكبوت).

وهل كان أحد يتوقَّع ما حقَّقناه في الانتخابات التشريعية الأخيرة؟!

ولكنه فضلٌ من الله على دعوتنا وبركةُ سعينا وعملنا الذي نبتغي به وجه الله تعالى.

 

سابعًا: إن الأمة بأسرها تنتظر وتترقَّب ماذا نحن فاعلون؟ هل نتراجع ونتخاذل أم نسير قدمًا نحوتحقيق الإصلاح المنشود دون خوفٍ أووجل؛ لأننا لا نخشى إلا الله عزَّ وجل، ولا نخاف إلا من عقابه على تقصيرنا في حقِّ ديننا وأمتنا.. (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُوفَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)) (آل عمران).

 

ثامنًا: إن هذا المكر الذي يُدبِّره أهل الباطل، وهذا الظلم الواقع علينا وما يستخدم ضدنا من إجراءاتٍ استبداديةٍ لمنعنا وحرماننا من حقوقنا الدستورية، كل هذا وغيره سينقلب بإذن الله تعالى على فاعليه (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال: من الآية 30)، (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)) (إبراهيم)، (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)) (إبراهيم).

 

تاسعًا: إن الصبر والثبات والرجوع إلى الله عزَّ وجل وحسن الصلة به والتوكل عليه من عوامل النصر والنجاح بإذن الله تعالى.. (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمْ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)) (آل عمران)، (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ (27)) (إبراهيم)، (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)) (النحل)، وليكن قولنا (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)) (سورة إبراهيم)، وليكن حالنا (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)) (النحل).

 

عاشرًا: إن الأمل والثقة واليقين بنصر الله يملأ قلوبنا همةً وعزيمةً، وعملاً واجتهادًا، وتضحيةً وفداءً؛ لأننا نُدرك وعد الله لنا.. (إِنْ تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: من الآية 7)، (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا) (النور: من الآية 55)، (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا للهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)) (آل عمران).

 

فيا أحبةَ القلوب.. كونوا على عهدكم مع ربكم، وابذلوا كل ما في وسعكم، واثبتوا على طريقكم ومنهاجكم، والتفوا حول قيادتكم الراشدة، وثقوا في وعدِ ربكم، واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمي