دَولَــةُ الإسْــلامِ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

دَولَةُ الإسْلامِ لا تَغيبُ عَنْ الأرضِ..فَحَاشَى للهِ أنْ يُغيِّب سُلطَانَه مِنَ الأرضِ..نَعم قَد تَضعُفُ دَولَةُ الإسْلامِ وَتَتَخلَّفُ..وَقَد يَظهَرُ عَجزُها وَهوانُها عَلَى النَّاسِ..إلَّا أنَّهَا لا تَزُولُ لأنَّها مَحفُوظَةٌ بِحِفظِ  القُرآنِ الكرِمِ..وَحِفظُ القُرآنِ ليسَ حفظُ نُصوصِهِ فَحسْب كمَا في قَولِهِ تَعَالى:"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"بلْ حفظُ القُرآنِ تحكيمًا وسلطانًا في الأرضِ لقوله تعالى:"وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ"فَالاستِخلافُ الرَبِّانيُّ في الأرضِ يَلْزَمُهُ الحُكْمُ بِالحَقِ..والقُرآنُ الكَرِيمُ هو الحقُ لقوله تعالى:"وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ"وهو مَصدَرُ الحُكمِ بالحَقِ لقوله تعالى:"وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ"وَقَضَت إرادةُ اللهِ تَعالى أنْ يَكُونَ الحُكمُ بِالقُرآنِ أداءً بشَرِيّاً لِقولِه تَعالى:"وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ"والمُستَخلَفُون في الأرضِ لَيسوا سَواءً لِقولِهِ تَعالى:"ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ"فحالُ دَولةِ الإسلام..مِنْ حالِ الإنسْانِ المُستخلفِ عدلاً وَظلْمَاً وَقوةً وضَعْفاً..إلا أنَّها لا تَغيبُ بِحالٍ مِنَ الأحْوَالِ لِقولِه تَعَالى:"إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ"وَبَعْدُ:فمَنْ يَدعيَّ أنَّ دَولةَ الإسلامِ اليومَ مُغيَّبَةٌ لا وجُودَ لَها..فقد افترى عَلَى اللهِ كَذباً..وَتَألَّهُ عَلَى الله في أخصِّ خُصُوصِيِّاتِ أُلُوهِيَّتة وَرُبُوبِيَّتة سبحانه..ويفتح باباً للفتنة عريض..فالقول بغياب دولة الإسلام وتعطيل سلطانه الله في بلدِ ما..يترتب عليه أحكامٌ خطيرة..تُستباح به أمورٌ وتُحرَّم أمورٌ أخرى..وتتعين فروض وواجبات..وتسقط فروض وواجبات أخرى..وهذا ما نراه اليوم من فوضى في الأحكام ومن ارتكاب للكبائر..وكل ذلك يأتي تأسيساً على مثل هذا الفهم والاعتقاد المدمر بغياب دولة الإسلام..ولإطفاء نيران هذه الفتنة الهوجاء..ينبغي بذل كلِّ وسع وجهد لتصحيح وتبديد هذا الاعتقاد الضال المضل..فحاشا لله سبحانه أن يغيّب سلطانه من الأرض لقوله تعالى:"وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ"وأجمع المفسرون على معنى "وَبِهِ يَعْدِلُونَ"أي يحكمون..وهذا من شأن الدولة ومن أهم واجباتها.

وسوم: العدد 625