الكُنّاشة الحمَويّة (1)

جعفر خليف

نصائح في تقييد الخواطر وجمع الفوائد:

------------------------------------------

يقول ابن الجوزي شارحاً سبب تأليف كتابه الأشهر (صيد الخاطر):

"لما كانت الخواطر تجول في تصفح أشياء تعرض لها ثم تعرض عنها فتذهب؛ كان من أولى الأمور حفظ ما يخطر لكيلا ينسى"

ويقول الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله - شارحاً ظروف جمع كتاب (ذكريات على الطنطاوي) ومبدياً ندمه على عدم تدوين ما كان يمر به من أحداث ومواقف:

"لم أجد عندي شيئا مكتوباً أرجع عند تدوين الذكريات إليه وأعتمد عليه ، وما استودعتُ الذاكرةَ ضعفت الذاكرةُ عن حفظه ، وعجزت عن تذكره"

ويقول الإمام النووي في المجموع : "ولا يؤخرُ تحصيلُ فائدةٍ – وإن قَلَّت – إذا تمكن منها ، وإن أمِنَ حصولها بعد ساعةٍ ، لأن للتأخيرِ آفاتٍ ، ولأنهُ في الزمنِ الثاني يُحَصِّلُ غيرها "

وينقل الإمام الذهبي عن الإمام البخاري في سير أعلام النبلاء : "حدثنا محمد بن يوسف البخاري قال كنت مع محمد بن إسماعيل بمنزله ذات ليلة فأحصيت عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثمان عشرة مرة"

ومرة حضرتُ أمسية أدبية تحدث فيها قاصٌّ سوريّ وذكر أنه يبيت في فراشه والورقة والقلم تحت وسادته فإذا جاءته الفكرة أو الخاطر أخرج الورقة والقلم من تحت وسادته بحذر وزوجه نائمة بجانبه ودوّن ما حضر في باله في العتمة فإذا كان الصباح أخرج الورقة وقد تزاحمت الكلمات والأسطر فوق بعضها وهو يحاول استبيانها وتذكرها وإعادة تسطيرها من جديد.

والقصص في هذا الباب كثيرة كلها تدعو إلى تقييد ما يحضر في البال من فوائد وخواطر حتى لا تنسى وتضيع.

وسوم: العدد 643