شكاوى الزوجات من سوء عشرة الأزواج

محمد رشيد العويد

أهم النزاعات الزوجية ، وأشدها خطراً ، وأوسعها انتشاراً ، وأكثرها آثاراً ؛ ناتج عن سوء العشرة بين الزوجين ، لهذا جاء الأمر القرآني واضحاً في ذلك  وعاشروهن بالمعروف  فلم يـقل (( وأحبوهن )) ؛ إذن يبرر الزوج سوء عشرته بعدم حبه زوجته ، والحب لا يملكه المرء . وهكذا في سائر ما يمكن أن يُؤمر به الرجل تجاه زوجته .

أما الأمر بالمعاشرة بالمعروف فهو عام ، يشمل الرفق ، والصبر ، والقول الحسن ، وبشاشة الوجه ، وهذه يملكها الرجل ويقدر عليها بعون الله .

ولو تدبرنا هذا الأمر الرباني الحكيم لوجدناه موجهاً إلى الرجال ؛ لأنهم أقدر على منع عواطفهم من توجيه أفعالهم من النساء اللواتي توجههن عواطفهن أكثر مما توجههن عقولهن .

كذلك فإن القوامة للرجل ؛ ومن ثم فإن عليه أن يكون أحكم لتصرفاته ، وأضبط لانفعالاته ، وأحلم في غضباته ، وبهذا ينجح في معاشرة زوجته بالمعروف .

وقد نعجب حين نجد امرأة تشتكي زوجها الناجح في عمله ، المحبوب من زملائه ، المشهور بدماثته ، المحافظ على صلواته ، فنسأل عن سر نجاحه خارج بيته وإخفاقه داخل بيته !!

ولعل هذا يُظهر جانباً من حكمة قوله  ( خيركم خيركم لأهله ) فهو يوجه الرجل إلى أن الخيرية الأهم ، بل إن الخيرية كلها ، في أن يكون المرء معاشراً أهله ، ومنهم زوجته ، بالمعروف .

إن أكثر شكاوى النساء ، التي يتلقاها الاستشاريون والعلماء ، تدور حول فقدانهن عشرة أزواجهن لهن بالمعروف مع شهاداتهن لأكثرهم بحسن عشرتهم لأصدقائهم وجيرانهم وسواهم من الناس .

وأختار شكوى من تلك الشكاوى وجهتها امرأة إلى الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وتستشيره فيها وتستفتيه فيما إذا كانت تأثم لو تركت البيت لتربي أبناءها بعيداً عن زوجها .

تقول الزوجة في رسالتها :

زوجي – سامحه الله – على الرغم مما يلتزم به من الأخلاق الفاضلة والخشية من الله ، لا يهتم بي إطلاقاً في البيت ، ويكون دائماً عابس الوجه ضيق الصدر ، قد تقول : إنني السبب ، ولكن الله يعلم أنني ولله الحمد قائمة بحقّه وأحاول أن أقدم له الراحة والاطمئنان وأبعد عنه كل ما يسوؤه وأصبر على تصرفاته تجاهي .

وكلما سألته عن شيء أو كلمته في أي أمر غضب وثار ، وقال : إنه كلام تافه وسخيف مع العلم أنه يكون بشوشاً مع أصحابه وزملائه .. أما أنا فلا أرى منه إلا التوبيخ والمعاملة السيئة . وقد آلمني ذلك منه وعذبني كثيراً وترددت مرات في ترك البيت .

وأنا ولله الحمد امرأة تعليمي متوسط وقائمة بما أوجب الله عليَّ .

سماحة الشيخ : هل إذا تركت البيت وقمت أنا بتربية أولادي وأتحمل وحدي مشاق الحياة أكون آثمة ؟ أم هل أبقى معه على هذه الحال وأصوم عن الكلام والمشاركة والإحساس بمشاكله ؟

وقد أجابها الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله بقوله :

لا ريـب أن الواجب على الزوجين المعاشرة بالمعروف ، وتبادل وجوه المحبة والأخلاق الفاضلة ، مع حسن الخلق ، وطيب البشر ، لقول الله عز وجل :  وعاشروهن بالمعروف  . وقوله سبحانه  ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة  . وقول النبي  : (( البرّ حسْنُ الخُلُقِ )) وقوله ، عليه الصلاة والسلام : (( لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق )) خرجهما مسلم في صحيحه وقوله  : (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً وخياركم خِيَاركُم لنسائهم وأنا خيركم لأهْليِ )) . إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة الدالة على الترغيب في حسن الخلق وطيب اللقاء وحسن المعاشرة بين المسلمين عموماً ، فكيف بالزوجين ، والأقارب ؟

ولقد أحسنتِ في صبركِ وتحملكِ ما حصل من الجفاء وسوء الخلق من زوجك .. وأوصيك بالمزيد من الصبر وعدم ترك البيت لما في ذلك – إن شاء الله – من الخير الكثير والعاقبة الحميدة لقوله سبحانه :  واصبروا إن الله مع الصابرين  . وقوله عز وجل :  إنه من يتّق ويصبر فإن الله لا يُضيعُ أجر المحسنين  . وقوله سبحانه :  إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب  . وقوله عز وجل :  فاصبر إن العاقبة للمتقين  . ولا مانع من مداعبته ومخاطبته بالألفاظ التي تُلِيّن قلبه ، وتُسبب انبساطه إليك وشعوره بحقّك . واتركي طلب الحاجات الدنيوية ما دام قائماً بالأمور المهمة الواجبة ، حتى ينشرح قلبه ، ويتسع صدره لمطالبك الوجيهة وستحمدين العاقبة – إن شاء الله- ، وفقك الله للمزيد من كل خير ، وأصلح حال زوجكِ وألهمه رشده ومنحه حسن الخلق وطيب البشر ، ورعاية الحقوق . إنه خير مسئول وهو الهادي إلى سواء السبيل .

فالزوجة تشهد لزوجها بأخلاقه الفاضلة وخشيته الله ، إلا أنه ، رغم ذلك ، لا يهتم بها ، ويعبس في وجهها ، ويضيق صدره منها . يثور كثيراً ، ويغضب مرارا ، يوبخها ، ويُسَخِّف كلامها ، ويسيء معاملتها ، بينما يبش في وجوه أصحابه ويلين لهم .

ولقد أجاد ، رحمه الله ، في إجابته حين أوضح وجوب المعاشرة بالمعروف بين الزوجين خاصة ، ثم أثنى على صبر الزوجة وبشرها بعاقبة صبرها وثوابها عليه ، ووجهها إلى أمور مهمة قد تكون غائبة عن كثيرات من الزوجات وهي :

مداعبته .

مخاطبته بالألفاظ التي تلين قلبه .

التقليل من طلب حاجات يمكن الاستغناء عنها أو تأجيلها .

وبشَّرها رحمه الله بأنها ستظفر ، إن فعلت ذلك ، بانشراح قلبه ، واتساع صدره ، لها ولطلباتها .

وختم بالدعاء لها ولزوجها بانصلاح حاله .

وسوم: العدد 670