‎احذرا عدوكما


د. محمد رشيد العويد

‎لو أن أسدا مفترسا دخل حديقة بيتكما، أما كنتما تجلسان معا، أيها الزوجان، تبحثان في إحكام إغلاق البيت، وأبوابه ونوافذه، وتعملان من أجل الاتصال بمن ينقذكما من هذا الأسد؟
ولو أن مجرما خطيرا احتجزكما في بيتكما مطالبا بفدية مالية كبيرة، فهل كنتما تختلفان أمام المجرم الخطير أم أنكما تبحثان معاً في طريقة تنجوان بها من هذا الذي يهدد حياتكما؟
لماذا إذن لا تتحدان ضد عدو يريد أن يوقع بينكما، وأن يبذر الشقاق في بيتكما، وأن يزرع البغض في قلبيكما؟!
لماذا لا تكونان على حذر شديد منه ومن كيده ومكره، وقد كشف لكما النبي صلى الله عليه وسلم أن أعظم غاية لدى إبليس اللعين هي التفريق بين الرجل وأهله؟
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إن الشيطان ليضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه في الناس، فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة. يجيء أحدهم فيقول: مازلت بفلان حتى تركته يقول كذا وكذا.

فيقول إبليس: لا والله ما صنعت شيئا! ويجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله. قال: فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول: نِعْم أنت”. صحيح مسلم
ألا يجعلكما هذا الحديث النبوي الشريف، أخي الزوج و أختي الزوجة، شديدَيْ الحذر من هذا الشيطان، الذي يعدّ التفريق بين الزوجين غاية الغايات عنده، وسببا من أسباب القربى؟!
تذكرا، أيها الزوجان، حينما يثور الخلاف بينكما، أن إبليس اللعين سيغذي هذا الخلاف ويزيد من إشعاله حتى يفرق بينكما… فهل تعطيانه ما يتمنى… أم تستعيذان منه؟!
ومما أنصحكما به، أخي الزوج وأختي الزوجة، حتى تنجحا في اتقاء إيقاع الشيطان بينكما، ما يلي:
إذا ثار الغضب في نفس أحدكما فلا يتردد أو يغفل عن الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبَّان، وأحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد”. متفق عليه.


في وقت من أوقات وفاقكما، اجلسا معاً، وابحثا في أمر خلافاتكما وأن الشيطان هو من يقف وراءها، ويزيد في أوارها، وتعاهدا على أن تبحثا ما تختلفان حوله في هدوء وأناة وحلم دون هياج أو غضب.
تعلما ما علمكما إياه النبي صلى الله عليه وسلم من أن مَلْك النفس حين الغضب هو دليل قوة لا دليل ضعف، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” متفق عليه.
اتفقا على عدم إثارة أي خلاف كان أمام أبنائكما، فهذا يساعدكما على تأجيل كثير من خلافاتكما، وهذا التأجيل قد ينسيكما ذاك الخلاف، أو على الأقل يجعلكما تبحثانه وأنتما أهدأ نفساً فلا يجد الشيطان إليكما سبيلا.
لا بأس من أن تكافئا نفسيكما عن كل خلاف تنجحان في حلّه دون غضب أو هياج. وقد تكون المكافأة الخروج معاً في نزهة، أو تلبية أحد الزوجين طلباً لصاحبه الآخر الذي نجح في ملك نفسه عند غضبه.
لا تنسيا المكافأة الكبرى من ربكما على صرفكما الغضب عن نفسيكما، فعن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “من كظم غيظاً، وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما يشاء” أبو داوود والترمذي (الألباني 6533).
احرصا على آيات وأدعية تبعد الشيطان عنكما كما جاءت في هذه الأحاديث النبوية الصحيحة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي:” الله لا إله هو الحي القيوم” حتى تختم الآية، فإنك لا يزال عليك حافظ من الله ولا يقربك الشيطان حتى تصبح” أخرجه البخاري
وعن أبي عياش الزرقي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، كان له عدل رقبة من ولد إسماعيل، وكتبت له بها عشر درجات، وحُطّ بها عنه عشر سيئات، ورُفع له بها عشر درجات، وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي، وإذا قالها إذ أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح” أخرجه أحمد وأبو داوود وابن ماجة (الألباني 6418).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لاتجعلا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي يُقرأ في سورة البقرة” مسلم وأحمد والترمذي.
فيا أيها الزوجان اتحدا ضد عدو لكما، يريد أن يفرق بينكما، ولا تجعلا له سبيلاً إلى حياتكما.

وسوم: العدد 685