سؤالان وجوابان

د. عبد الحكيم الأنيس

♦ نشرتْ بعضُ الصحف اليومية هذه المادة:

(ذكرَ تقريرٌ طبيٌّ نشرتهُ صحيفة الديلي ميل البريطانية أنه من الأفضل الحصول على كميات الماء المطلوبة يوميًا لا عن طريق شربها، بل مِنْ خلال تناول الأطعمة الغنية بها.

كما ينصحُ خبراءُ التجميل بتناول المنتوجات الغنية بالمياه لنضارة البشرة، فمع التقدُّم بالعمر يخسر جسم الإنسان الكثير من الماء عند الولادة، أيّ أكثر من 75%، مقارنة بنسبة 50% فقط عند بلوغه سنَّ الخمسين.

ويقول الخبراءُ: إن فكرة "الإكثار من شرب الماء" مبالغٌ بها؛ لأنّ ربع احتياجاتنا للمياه يومياً تأتي من الطعام.

وحذروا أيضًا مِنْ أن شرب 8 أكواب كبيرة يجعل هذه الكميّة تُهدر في الحمّام، بدلًا مِنْ وصولها إلى خلايا الجسم ما يُسبب أيضًا انتفاخ العينين، الكاحل والمعدة.

أمّا الفرقُ بين المياه المشروبة وتلك المأكولة فهو أنَّ الأخيرةَ تدخل الجسم مُحاطة بجزيئات الطعام التي تسهّل دخول المياه إلى خلايانا، وبالتالي عملية امتصاص أسرع للفيتامينات).

فكتبتُ إلى الأستاذ الطبيب البارع عباس زغنون أستطلعُ رأيه فيها، وفي أمر شرب الماء، إذ كثر الكلامُ والاختلافُ في ذلك، فكتبَ إليَّ - سلمه الله - قائلًا:

(يبدو أنه من الصعب الحديثُ باعتدالٍ في هذا الموضوع.

ليس صحيحًا - مثلًا - أنَّ شرب الماء يؤدِّي الى انتفاخ العينين، والكاحل، والمعدة.

نعم هذا صحيحٌ عند بعض المرضى، وسببه كثرة الملح لا الماء.

يتعاملُ الجهازُ الهضميُ مع الماء المشروب أو ضمن الطعام بطريقة واحدة، وهي امتصاصُه من الجهاز الهضمي، ثم الحفاظ على ما يحتاجه الشخصُ وطرح الزائد عن طريق البول.

الماء سرُّ الحياة

وقد نظَّم الخالقُ سبحانه قدرَ حاجةِ الإنسان من الماء عن طريق الإحساس بالعطش، فما على الإنسان الطبيعي أن يشرب إلا إذا أحسَّ بالعطش، ما لم يكن المرء مُصابًا ببعض الأمراض، أو يتعاطى بعض الأدوية، أو إذا اضطربَ عنده الإحساسُ بالعطش.

وليس هناك مِنْ داعٍ لأنْ يلتزمَ الشخصُ الصحيحُ بشرب كميةٍ معينةٍ، أو أنْ يعمدَ إلى شرب الماء في أوقات محددة أو مفضلة.

ومع أنَّ الحاجة اليومية للماء هي حوالي 3، 7 ليتر، فإنَّ هذا لا يعني بالضرورة شرب هذا القدر من الماء، إذ يحصلُ الإنسانُ على الماء مِنْ مصادر أخرى كالماء الموجود في الخضروات والفواكه، والعصيرات، وما هو في المطبوخ.

ولكنْ ممّا يعين على الإحساس بالشبع أنْ يتناول المرءُ الماء قبل الطعام، أو أثناءه، ليساعد على ملء المعدة، أمّا المصاب بحالة الارتجاع المعدي المريئ فلعل الأفضل له أنْ لا يشرب الماء والسوائل إلا بعد الطعام بساعتين على الأقل.

وقد شاع بين العامة أقوالٌ كثيرةٌ فيما يتعلق بكمية الماء التي يجبُ شربها، وأنَّ شربه في أوقات مخصوصة يعالجُ أمراضًا معينة، دون البرهنة على صحة هذه الادعاءآت، مثالُ ذلك القولُ بأنَّ شرب الماء أثناء الطعام يؤدِّي إلى البدانة، وهو قولٌ غير منطقي، ولم أجد مِنْ مرجعٍ علميٍ يؤيدُه).

♦ ♦ ♦

♦ ونشر الأستاذ المؤرِّخ الأديب محمد زاهد أبو غدة مقالًا مهًما عن الفقيه الكاساني الحنفي (نزيل حلب)، فكتبتُ إليه أستطلعُ رأيَه عن (مكان) تأليف كتابه المعروف: (بدائع الصنائع)، فكتبَ إليَّ قائلًا:

(... بحثتُ في "البدائع"، وأميلُ بعدها إلى أنه كتبه قبل قدومه إلى حلب، فلا ذكرَ لحلب البتة، والشامُ ذُكرتْ مرتين في معرض المثل، ولم تُذكرا في الحديث عن العُرف، كما ذُكرت بلادُه الأصلية.

وهو - رحمه الله - يكرِّر هذه الألفاظ:

مشايخنا بسمرقند.

مشايخنا بما وراء النهر.

مشايخنا بالعراق.

ولا يَذكرُ شيئًا عن مشايخ الشام، والروم.

ويذكر: ديارنا.

وابنُ العديم الذي نَقلَ عن والدهِ تفاصيل مهمة وشخصية عن حياة الكاساني لم يَذكرْ شيئًا عن تأليفه لـ "البدائع" في حلب.

ولهذا كله أرجِّحُ أنه قد ألفه قبل إقامته في حلب.

وإذ لا نعرفُ تاريخ ولادته أو تاريخ قدومه لحلب يتعذرُ علينا تحديدُ السنة أو تقريبها.

أضعُ هذا بين أيديكم راجيًا التصحيح والتصويب.

والله تعالى أعلم).

وسوم: العدد 719